السبت، 17 ديسمبر 2011

سيزول الظلام








     عرب عرائب                 
                                     جمع بينهم الغرب فتغرب
    بالله عليك أليس
                                    هذا حال عرب ملوكهم عجم
   أماه إلى متى الصبح
                                    فالليل يختنق أنفاسي
   أليس لي الحق يا أمي أن
                                    أعيش أم أني وحيد
  أين إخواني ؟أين إخواني؟
                                    لقد ضاقت بي السبل
  أحمل في يد حجر وأضع قد
                                   مي في النار كي أعيش
  آه أمة العرب
                                   آه أمة العرب
  أينك يا عمر؟ أينك يا صلاح؟
                                  فلسطين تحتضر ولبنان تنتحر
  ودنهما أمم في صمت
                                 في نوم في موت في سبات
  لما الصمت يا عرب؟
                                ألست منكم؟ ألسنا من نسل يعرب؟
  صبرا يا فلسطين لا جزع
                                يا لبنان لا خوف يا عراق لا عجل
 فالنصر آت آت وصلاح
                               لا بد أن يعود مهم طال الزمان

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

على الجمر



                                                          لست أنت      من يعاني يا فلسطين                                                                                        



                        ولا أنت يا عراق










                        ولا أنت يا سوريا






        
                       ولا أنت ولا أنت...






                     ملايين تعاني، ومعاناتي أنا لاتزول




                     لا النوم، ولا الأنس




                    ولا الحياة، ولا ولا ولا...




                    أحد بعد اليوم يأويني




                    ضاقت بي الأماكن




                   بحثت عن نور ولا شيء سوى الظلمات




                  أبكي وأبكي وحق لي البكاء




                  فقد...................................




                 أما آن للموت أن يحل




                 أما للموت طريق إلي




                أريد أن أنسى
 


               أريد أن أنسى 




              أريد أن أرتاح



السبت، 19 نوفمبر 2011


السعادة
  




      السعادة شعور الخاصة من الناس، شعور يجعل الإنسان يحس بحقيقة الوجود، التي تبدو للكثير أشد اضطرابا وغموضا.
       السعادة لا تقتصر على المال والولد؛فكم من إنسان رزق الكثير من الولد،آلت حياته معهم إلى التعاسة والتهلكة. وكم من أناس ملكوا الدنيا وفي الختام ضاقت بهم الأقبر. فقارون لم ينفعه ماله، وفرعون لم يغنيه سلطانه وجبروته عن العذاب.
        إن كان هذا هو الغنى فتعسا للغنى ولأهله. 
        كل شيء في هذا الكون تحكمه ضوابط وشروط، وشروط السعادة التحلي بالإيمان القوي، الذي يجعل منك أخي غني عن الكثير ممن خلق الله، غني بصحتك، ببصرك، بسمعك، بعقلك، بلسانك... فأي غنى أكثر من هذا. وأي سعادة أعمق لوأحسست أخي بحقيقتك"من أصبح معاف في بدنه، سالما في عرضه، يملك قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافره"، أي شيء أكثر من أن تأتيك الدنيا طالبة راغبة فيك.
        واعجباه ممن يجعل سعادته في الملذات وحب الشهوات، وأكل الربا، وإتيان الفاحشة، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
        تعسا لهؤلاء القوم وللأرحام التي نجبتهم. هم لبني إسرائيل إخوان، وللنار قربان.
   عش ما  شــأت فــــــإ      ن الحــيـــــاة إلـــــــى زوال
   وتذكر يوما ترجع فيه     إلـى الجبـــار من دون مــــال
   ولا أولاد إلا الايمان بـ    الله والملائكة والكتب والرسل
   الدنيا سريرة الــجاهل    وعــريكــة العــاقــل المتعقــل
   هـــي العدو فاحـذرها    والتــمــس لــدار الخــلد سبيـل
    تكــن أسعـد النـــاس    وكــثــيــر دونــك أشــقــيــــاء 





                                                                السعادة في: 

السبت، 15 أكتوبر 2011

مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين " رمضان عبد التواب "

حميد المساوي



مقدمة
يقع الكتاب في ست وثلاثين وأربع مائة صفحة، استهله صاحبه بمقدمة ،أشار فيه إلى أن فن تحقيق النصوص عند العرب يمتد إلى فجر التاريخ الإسلامي، لاكما يدعي البعض أنه فن حديث.
وقد اقترنت البدايات الأولى لهذا الفن بعلوم الحديث ( الجرح والتعديل ، السند، تاريخ الرجال، الدراية...). وكثير من الخطوات التي يقوم المحققون بها اليوم هي من نسج القدماء.
والكتاب هذا يحاول رصد هذه القضية؛ بتتبع جهود السابقين في فن التحقيق، ومقارنتها بما انتهى إليه هذا الفن في العصر الحديث، ويتعدى ذلك إلى نقد بعض تحاقيق التراث.

تمهيد
تحقيق النص؛ قراءته على الصورة التي أراد له صاحبه أن يكون عليها، أو على وجه يقرب من الأصل، وفي لسان العرب : " حققت الأمر وأحققته : كنت على يقين منه".
وما دام الأمر يتعلق بالعلوم الإنسانية، فإن كل باحث مطالب بتحقيق النص (موضوع الدراسة أو الاستدلال ). وبشكل عام فكل نص بعد عن الأصل الذي ألف عليه،يحتاج إلى تحقيق.
ويكفي للتدليل على ذلك، نص الفارابي المشهور في القبائل التي تؤخد عنها الغة. والذي أورده السيوطي في المزهر. يقول : " ... وبالجملة فإنه لم يؤخد لا من لخم ولا من جدم لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس . " ( المزهر1/211).
السؤال المحير هو : كيف لليمن أن تكون بالجزيرة مجاورة لليونان؟ وكيف لبكر أن تجاور في الشرق الفرس في إيران، وتجاور في الغرب القبط في مصر؟
بعد مراجعة الكاتب لكتب السيوطي اللغوية، وجد النص في كتاب " الإقتراح في أصول النحو " وفيه صواب العبارة: " ولا من تغلب والنمر، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر، لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس " ( الإقتراح، ص: 19).
على أن كثيرا من العلماء احتجوا بالنص دون أن ينتبهوا إلى الخطأ، ومنهم: (محمد علي الدسوقي، في كتابه- تهذيب الألفاظ العامية – ص: 42 ، وصبحي الصالح، في كتابه- دراسات في فقه اللغة – ص: 114 ، وابراهيم السمرائي، في كتابه- العربية بين أمسها وحاضرها – ص: 22 ، وغيرهم الكثير).
والتراث في مجال التحقيق، هو: كل ما خلفه العلماء في شتى المعارف. وهو بذلك ليس محددا بتاريخ معين.

الباب الأول: مناهج التحقيق عند القدماء
الفصل الأول: تاريخ علم تحقيق النصوص عند العرب
إن غاية الكاتب من هذا الفصل هي إثبات براعة العلماء العرب وأسبقيتهم في تحقيق النصوص، ويعد عمل علي بن محمد بن عبد الله اليونيني ( ت: 701ه) في تحقيق روايات ( صحيح البخاري) للإمام البخاري (ت: 256 ه)، خير دليل على ذلك.
وقد تمثل عمل اليونيني في ( مراجعة الروايات المختلفة، وتحقيقها، وتحريرها مما شابها من خلط واضطراب).
أما علماء أوربا، فإنهم لم يكونوا على وعي بهذه المسائل في بداية الأمر (ق: 15م)؛ إذ اقتصروا على طبع ما توافر لديهم من النسخ دون البحث عن الأخرى. حتى إذا ارتقى علم الآداب القديمة ( philology) نجدهم قد عمدوا إلى جمع النسخ المتعددة للكتاب، والقابلة بينها، وتعمدوا في الغالب انتقاء المهم منها. " إلا أنهم في كل ذلك لم يكن لهم منهج معلوم، ولا قواعد متبعة؛ لأنهم لم يكونوا قد فكروا تفكيرا نظريا في تصحيح الكتب، وأي الطرق تؤدي إليه ... " ، وظل الوضع على هذه الحال حتى أواسط القرن التاسع عشر " حين وضعوا أصولا علمية لنقد النصوص (Text criticism)،ونشر الكتب القديمة ". فاقترن ذلك في البداية بالآداب اليونانية واللاتينية،ثم آداب القرون الوسطى الغربية.
" ولم تنشأ الحاجة إلى هذا العلم عند العرب، إلا عندما قل الاعتماد على الرواية الشفوية في تحصيل العلم ". فلم يكونوا يجيزون قراءة المكتوب إلا لمن حصل من شيخه على إجازة برواية هذا الكتاب أو ذاك. هذه الطريقة التي لزلنا نعيشها في قراءة القرآن وحفظه.
لم يقف العرب عند هذا الحد؛ فقد وضعوا قواعد، وضوابط، وطرق في أخذ العلم وتحمله، وهي :
السماع : وهو أن يسمع التلميذ ما يلقيه شيخه من مرويات. ولكم كان العلماء القدامى، وعلماء الحديث على وجه الخصوص، معجبين بهذا الطريق، فكانوا يعدونه أرفع درجات أنواع الرواية.
ويكون التعبير عن ذلك بإحدى العبارات التالية:
 أ) أملى علي فلان: ومن ذلك قول أبي علي القالي في أماليه : " وأملى علينا أبو بكر بن الأنباري هذه القصيدة لجميل:
ب) سمعت: كقول أبي علي القالي في أماليه: " سمعت هذا المثل ( إن البغاث بأرضنا يستنسر) في صباي من أبي العباس، وفسره لي، فقال: يعود الضعيف بأرضنا قويا " (الأمالي : 1/186-187).
ج) حدثني فلان ( الإفراد)، وحدثنا فلان ( الجمع): كقول الزجاجي في أماليه: " حدثنب أبو الحسن بن براء، قال حدثني صدقة بن موسى، قال : كان في جوارنا رجل اسمه حمار، فتزوج امرأة من ولد دارا، فقالت له: أحب أن تغير اسمك، فقال لها: أفعل، ثم قال لها، قد تسميت بغلا! فقالت له، هو أحسن من ذلك ... " ( أمالي الزجاجي، ص: 52 ).
د) أخبرني فلان ( بالإفراد)، وأخبرنا فلان ( بالجمع): كقول القالي في أماليه: " قال أبو علي: وخبرني الغالبي عن أبي الحسن بن كيسان، قال: سمعت بندارا يقول: الوأب الذي ليس بالكبير ولا الصغير " ( أمالي القالي، 2/307).
هـ) قال لي فلان: كقول القالي في أماليه: " وقال لي أبو بكر ابن دريد رحمه الله تعالى: المشاقر: منابت العرفج ".
القراءة على الشيخ : " وذلك بأن يقرأ التلميذ على الشيخ من كتاب، أو يلقي من حافظته على الشيخ، والشيخ منصت يقارن ما يقرأ أو يلقي بما في نسخته، او بما وعته حافظته. ويقول عند الرواية: قرأت على فلان ". نحو قول القالي: " ومما اخترته وقرأته على أبي بكر بن دريد:
 قوم إذا اشتجر القنا              
جعلوا القلوب لها مسالك
 اللابسين قلوبــــهـم               فوق الدروع لــدفع ذلـك "  
                                                     ( الأمالي 1/65).
السماع على الشيخ بقراءة غيره: فيقول عند الرواية: قريء على فلان وأنا أسمع. ومن ذلك قول القالي: " وقريء على أبي بكر بن دريد،وأنا أسمع، لرجل ذكر دارا، ووصف ما فيها، فقال:
 إلا رواكد بينهن خصاصة سفع المناكب كلهن قد اصطلى "( الأمالي 1/47).
الإجازة: وهي أن يأخذ المجاز تصريحا من شيخه برواية نص محدد/ أو كتب لا تسمى بالتفصيل.
المناولة: بأن يعطي الشيخ تلميذه أصل كتاب أو الكتاب الذي يرويه، أو نسخة مقابلة للأصل.
الكتابة أو المكاتبة: وهي أن يتكفل بنفسه إعداد نسخة من كتابه، أو مروياته، فيعطيها لتلميذه، أو يبعث بها إليه.
الوجادة: وهي النقل عن أحد الكتب ، دون رواية عن مؤلفه أو عن راويه ، ويكون القول، وجدت في كتاب فلان.
وحين كثرت "الوجادة" في العصور الوسطى الإسلامية، أصبحت الحاجة ملحة لوضع قواعد ضبط المؤلفات وتصحيحها.
وأول من اهتم بهذه المسألة هم رجال الحديث، الذين كان لاهتمامهم البالغ بعلوم الحديث ونقده، أثر كبير في عنايتهم بطريقة كتابة مؤلفاتهم، ووضع القواعد لضبطها وتحريرها واختيار الطريقة المثلى لذلك.
ومن أهم من ألف في هذه القواعد:
- الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي ( ت: 360 هـ)، بكتابه : "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ". وهو أول كتاب في علم دراية الحديث.
- القاضي عياض ( ت: 544 هـ)، بكتابه: " الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع "، تحقيق السيد أحمد صقر.
- بدر الدين بن جماعة ( ت: 733 هـ)، بكتابه: " تذكرة السامع والمتكلم في
أدب العالم والمتعلم ".
الفصل الثاني : جهود علماء العربية القدامى في التحقيق
 لقد كان علماء العرب القدماء على وعي بكثير من المسائل التي يعالجها المحدثون في تحقيق النصوص ، من بينها:
1) المقابلة بين النسخ:
إذا كان المحدثون يشترطون على المحقق جمع مخطوطات الكتاب والمقارنة بينها، فقد سبق القدماء إلى ذلك؛ يقول العلموي عن طالب العلم: " عليه مقابلة كتابه بأصل صحيح موثوق به (...)، قال عروة بن الزبير لابنه هشام رضي الله عنهم: كتبت؟ قال : نعم، قال : عرضت كتابك؟ أي على أصل صحيح، قال : لا، قال : لم تكتب..." ( المعيد في أدب المفيد والستفيد، ص: 135، والإلماع، ص: 160).
وهذا القاضي عياض يؤكد على ضرورة المقابلة بين النسخ حرفا حرفا وعدم الانخداع في الاعتماد على نسخ الثقة العارف، ولا الاقتناع بنسخ نفسه دون المقابلة والتصحيح، لأن الفكر يذهب، والقلب يسهو، والنظر يزيغ، والقلم يطغى. ( الإلماع، ص: 159).
حتى إذا اختلفت النسخ وتضاربت، فإن القدماء كانوا يرجحون نسخة هي الأم، والإشارة في الهامش إلى الزيادات والنقص واختلاف الرواية، وهو نفس ما يصنعه المحدثون.
ولم يقف القدماء عند حد التنظير، بل تعدوه إلى الممارسة والتطبيق ومن ذلك ما قاله المعري في قول القائل:
هي الخمر تكنى الطلاء كما الذئب يكنى أبا جعدة
" وهو ينسب إلى عبيد بن الأبرص، ربما وجدا في النسخة من ديوانه، وليس في كل النسخ. والذي أذهب إليه أن هذا البيت قيل في الاسلام، بعدما حرمت الخمر " ( رسالة

 الغفران، ص: 513).
 2) إصلاح الخطأ:
لقد حرص القدماء أشد الحرص على احترام النص، وعدم الجرأة على إصلاح أخطائه بغير علم ولا دراية؛ يقول القاضي عياض: " من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح، والتضبيب، والتمريض... " ( مقدمة ابن الصلاح، ص: 315-316).
أما التصحيح فيجعل على ما صح وروده من جهة النقل، وأما التضبيب أو التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل، غير أنه فاسد لفظا ومعنى.
ومن الرموز التي اعتمد عليها القدماء في التدليل على ذلك : (صح) : ومعناه أن الحرف أو اللفظ أو الشيء الذي وضع عليه الرمز، صحيح، وأن لا نقصان فيه.
(ص) ضبة: علامة على أن الحرف سقيم .
3) علاج السقط:
لقد تعود صاحب المخطوط إذا سقط منه شيء من النص، أن يضعه على حاشية الصفحة، ويشير إلى مكانه من النص بما يسمى " علامة الإلحاق " أو " علامة الإحالة "، وهي عبارة عن خط رأسي مائل نحو اليمين، إذا كتب الاستدراك على الحاشية اليمنى، أو نحو اليسار، إذا كتب الاستدراك على الحاشية اليسرى. وقد أشار إلى ذلك القاضي عياض في (الالماع، ص: 162-164).
4) علاج الزيادة:
إذا حدث أن وجدت في النص زيادة أو شيء على غير وجهه، تخير القدماء فيه بين ثلاثة أمور ( الإلماع، ص: 170-171):
إما الكشط : وهو سلخ الورقة بسكين ونحوها.
وإما المحو : وهو الإزالة بغير سلخ إن أمكن.
ثم الضرب وهو أنواع :
• الوصل بالحروف المضروب عليها، والخلط بينها بخط ممتد.
• أن يكون الخط كالباء المقلوبة، يضم الحروف من فوق.
• كتابة لفظة : ( لا ) أو لفظة : ( من ) فوق أوله، ولفظة : ( إلى ) فوق آخره أي (من هنا محدوف إلى هنا ).
• نصف دائرة في أول وآخر الكلام البطل.
• صفر في أول وآخر الكلام البطل، وهو علامة النقطة في المخطوطات القديمة لأنهم لم يكونوا في الأصل ينقطون.
5) علاج التشابه بين بعض الحروف:
حتى يتجنبوا اختلاف القراءة، وحدوث اللبس، ووقوع التصحيف والتحريف، عمد القدمى إلى ضبط كتبهم بالنقط والشكل، خاصة إذا تعلق الأمر ببعض الحروف المتشابهة ك ( ب،ت،ث،ن،ي،ج،ح،خ،ذ،ق،ف ... )، إذا عريت من النقط.
وإذا كانت ( كلمة )، عبروا عن ذلك بالحروف؛ كقولهم : بالحاء المهملة، والدال المهملة، والتاء المثناة من فوق، والياء الثناة من تحت، والثاء المثلثة، ونحو ذلك.
6) صنع الحواشي:
الحواشي عكس الهوامش، ومساحتها تكون محدودة جدا بعكس الهوامش، التي يمكن للكاتب أن يتحكم في مساحتها بحسب حاجته. وفي عصر المخطوطات لا وجود للهوامش. أما الحواشي فحتى إن وجدت فإنها تكون من صنع غير المؤلف، ممن قرأ الكتاب وعلق عليه.
 ولأن أغلب المؤلفون لم تسعفهم الضرورة في ذلك، فقد كانوا يكتبون تعليقاتهم على النص في صلب المتن مع التنبيه إلى ذلك ببعض العبارات نحو : ( تنبيه ، أو فائدة ، أو تعليق ، أو حاشية...). 
7–علامات الترقيم والرموز والاختصارات
المسألة عند القدماء لم تكن على نفس ما نعاينه اليوم. ويظهر الاختلاف في :
عند المحدثون ما يقابله عند القدماء
علامات الترقيم . (النقطة) - 0 (دائرة) : هي التي توجد في المصاحف.
-اختلاف في الخطوط
أقواس الاقتباس (...) -يعبرون عن ذلك بـ (هذا قول فلان / انتهى / هذه ألفاظ فلان / إلى هنا قول فلان ...)
الرموز الكلام يكون تاما -يختصرون الكلمة الأخيرة بـ (أ هـ)
الاختصارات - -مثل ذلك ما قام به الفيروزبادي في مقدمة قاموسه : ج = جمع / م = معروف / ع = موضع / د = بلد / ة = قرية.
-ثنا، نا = حدثنا / أنا = أخبرنا ...
-عندما يقابلون النسخ يضعون هذا الرمز (0) وعلى الحاشية المجاورة كلمة (بلغ)

الفصل الثالث : نماذج من جهود علمائنا القدامى في التحقيق
لم تتوقف جهود القدماء عند مستوى التنظير مغفلين المستوى التطبيقي، وإنما حاولوا أن يزاوجوا بين المستويين.
من أعلام هؤلاء المحققين، الإمام عبد القادر البغدادي (ت 1093 هـ) في كتابه : "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب".
وهو مثال للعالم الواسع الاطلاع على المكتبة العربية بفروعها المختلفة، ومن أمثلة التحقيق عنده :
1 –المقابلة بين النسخ :
من ذلك موقفه من البيت الذي يقول فيه صاحبه :
"إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته فقام بفأس بين وصليك جازر
بيت القصيد هنا كلمة (بلالا) فينبغي أن يكون بالرفع، لأنه بدل من ابن أو عطف بيان له، وقد رأيته مرفوعا في نسختين صحيحتين من إيضاح الشعر لأبي علي الفارسي، إحداهما بخط أبي الفتح عثمان بن جني" (1/450).
2 –الاجتهاد في تخريج النص :
"ثم قال (ابن خلف) : وقد قيل إنه يجوز أن يكون (أسهل) اسما لموضع بعينه، أقول : قد فتشت كتب اللغة وكتب أسماء الأماكن، كمعجم ما استعجم، ومعجم البلدان، فلم أجد له ذكرا فيها" (1/281).
3 –تكميل الأبيات وتخريجها :
"أنشد
... ... ... ... ... ... ... ... سماء الإله فوق سبع سمائــيا
وصدره :
له ما رأت عين البصير وفوقه ... ... ... ... ... ... ... ...
 وهذا البيت من قصيدة طويلة لأمية بن أبي الصلت   (1/118).
 4 –نسبة الأبيات المجهولة :
"أنشد :
يقول الخنى، وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجـــدع
... وهذا بيت ثاني أبيات سبعة أوردها أبو زيد في نوادره لذى الخرق الطهوي" (1/15).
 ومن المسائل التي عالجها البغدادي أيضا في كتابه، التنبيه على اختلاف الروايات، وكذا تراجم العلماء والشعراء... 
الباب الثاني : مناهج التحقيق عند المحدثين
مع حلول العصر الحديث، ازدادت العناية بفن التحقيق فأخذ العلماء في التأليف في أصول وقواعد هذا الفن، وتعدى الأمر تلك المحاولات البسيطة في التحقيق، إلى محاولات رائدة، وهذه بعضها :
-تحقيق أحمد زكي باشا لكتابي : "أنساب الخيل" و"الأصنام" لابن الكلبي، مطبعة دار الكتب بالقاهرة سنة 1914 م.
وهما من أوائل الكتب التي تضمنت كلمة "تحقيق" لأول مرة.
وقد كان الرجل متأثرا في عمله هذا ببعض المستشرقين، أمثال : وليم رايت (الإنجليزي) W.wright الذي نشر "الكامل" للمبرد، طبعة ليبزج سنة 1864 م، وجوستاف يان (الألماني) G. Jahn الذي نشر شرح المفصل لابن يعيش، طبعة ليبزج سنة 1882 م. وغيرهم... .
-أصول نقد النصوص ونشر الكتب، للمستشرق الألماني "برجشتراسر" Bergestrasser وهو أول نص يؤلف باللغة العربية عن هذا الفن، وكان عبارة عن محاضرات ألقاها على طلبة الماجستير بكلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1931م.
-تحقيق النصوص ونشرها، للأستاذ عبد السلام محمد هارون، وهو أول كتاب مطبوع باللغة العربية في هذا الفن، طبع بالقاهرة سنة 1954 م.
والكتاب الذي بين أيدينا، وغيره من المؤلفات الكثير.
والسؤال الذي يطرح نفسه ها هنا هو : كيف عالج هؤلاء المؤلفون وغيرهم من المحدثين، قضية التحقيق؟

الفصل الأول : كيفية تحقيق النصوص
 سبقت الإشارة إلى أن تحقيق النص هو رده إلى الصورة التي أرادها له صاحبه. للوصول إلى هذا الهدف وضع المحدثون مجموعة من الخطوات هي على الشكل التالي: 
أولا : جمع النسخ المخطوطة للنص
لتحقيق أي نص لابد في بداية الأمر من جمع مختلف نسخه المخطوطة، وهذا الجمع لا يتم إلا بالاطلاع على المصادر التالية :
1 –"كتاب تاريخ الأدب العربي" لكارل بروكلمان، وهو ليس كتابا في تاريخ الأدب بالمعنى المتداول، وإنما تسجيل لكل ما وصل إلى علم صاحبه مما ألف باللغة العربية، مخطوطا أو مطبوعا.
وفرغ ذلك بروكلمان في بداية الأمر في بطاقات تحمل اسم الكتاب ومؤلفه ورقمه في المكتبة التي يوجد بها، إن كان مخطوطا، وتاريخ طبعه ومكان الطبع، إن كان مطبوعا، وبعد ذلك بحث في ترجمة صاحب الكتاب، وبعد هذا كله صنف البطاقات، بحسب العصور التاريخية.
وقد قسم بروكلمان كتابه إلى أربعة كتب، خص الأول منها للأدب العربي منذ بدايته حتى أواخر العصر الأموي (132 هـ) والثاني لبداية العصر العباسي إلى سقوط بغداد في بد المغول (656 هـ)، والثالث يبدأ من حكم المغول حتى سنة (1949 م). والرابع خاص بالأدب العربي الحديث في مصر منذ الاحتلال الإنجليزي، وفي سوريا، والمهجر، والعراق، والجزيرة العربية، والمغرب.
وقد ترجم الدكتور عبد الحليم النجار ثلاثة أجزاء الأولى من الكتاب إلى العربية (دار المعارف بالقاهرة، سنة 1959-1962م).
 وترجم الرابع والخامس والسادس إلى العربية الدكتور رمضان عبد التواب باشتراك مع الدكتور السيد يعقوب بكر (دار المعارف سنة 1975 – 1977م)، والأجزاء كلها تمثل ثلث الكتاب الأصلي.
 2 –"تاريخ ال تراث العربي" لفؤاد سزكين (أحد الأتراك)، وهو كتاب ضخم، ابتدأ في تخريجه مند سنة 1967 م، صدر منه حتى الآن تسعة مجلدات كبار، وهو عمل متمم لعمل بروكلمان.
3 –"إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب" لياقوت الحموي (ت 626 هـ) فائدته في معرفة أماكن المخطوطات التي لم تدرج في فهرس من الفهارس المنشورة.
وإذا كثرت نسخ الكتاب الخطية، كان الفيصل في ترتيبها، ثلاثة أمور :
1 –قدم النسخة : ويعرف ذلك من التاريخ المدون على آخرها، وكذلك شكل ورقها، وخصائص خطوطها، وقدم النسخة لا يشكل بالضرورة مبررا لاتخاذها أما، فقد تكون نسخة حديثة ودقيقة، أنفع من نسخة قديمة مملوءة بالأخطاء.
2 –علم الناسخ : فقد تكون هناك نسخة قديمة، غير أن ناسخها جاهل كثير الخطأ والتصحيف، وبجوارها نسخة حديثة، غير أن ناسخها علم جليل، مشهود له بالدقة وتحري الصواب، وعندئذ لابد أن يقع اختيار المحقق على هذه النسخة الحديثة.
3 –كمال النسخة : وهنا يقع الاختيار على النسخة الكاملة للكتاب إذ قد يحصل أن يقع خرم في أوراق المخطوطة، مما يخرج الكلام عن سياقه.
وترتب النسخ المخطوطة، من حيث علو الدرجة على النحو التالي :
أولا : النسخة التي بخط المؤلف : وهنا تطرح مشكلة المسودات والمبيضات وهو اصطلاح قديم، والمقصود بالمسودة النسخة التي لم تسوا. أما المبيضة فهي التي سويت، وارتضاها المؤلف أن تخرج للناس على أتم صورة.
ثانيا : النسخة المقروءة على المؤلف.
ثالثا : النسخة المنقولة عن نسخة المؤلف، أو المقابلة بنسخة.
رابعا : النسخة التي كتبت في حياة المؤلف، وتعرف عندما يقول الناسخ بعد ذكر اسم المؤلف "أطال الله عمره" أو "أدام الله توفيقه".

ثانيا : توثيق عنوان الكتاب، ونسبته إلى مؤلفه
كي يتأكد المحقق من صحة عنوان الكتاب، لابد من الرجوع إلى ما ألفه من كتب، فقد يعرض لذكره في إحداها، أو الرجوع إلى كتب التراجم التي عقدت له ولمؤلفاته ترجمة، أو كتب الفهارس (الفهرست، كشف الظنون ...).
وأحيانا ينسب الكتاب إلى غير مؤلفه، والمحقق الفطن هو الذي يستطيع بالفحص والتدقيق، اكتشاف الخطأ في هذه النسبة.
ومثال ذلك كتاب "نقد النثر" الذي نسب خطأ لقدامة بن جعفر وهو في الأصل جزء من كتاب "البرهان في وجوه البيان" لابن وهب.
ثالثا : التمرس بالخطوط
على المحقق أن يكون عالما بفن الخطوط، حتى لا تختلط عليه الألفاظ والحروف باختلاف خطوط المخطوطات.
ويرجع الكاتب هذا العيب في الخط العربي إلى الأصول التي أخذ منها وهي الخط النبطي، والخط الفينيقي (والنبط والفينيق، قوم من الساميين وجدوا قبل مجيء الإسلام).
رابعا : معرفة مصطلحات القدماء في الكتابة
من المصطلحات التي يجب على المحقق أن يلم بها من أجل الوقوف عند المعنى الصحيح للكلمة، ما يلي :
1 –في الكتابة المغربية : يدل على الشدة والفتحة بعلامة مشابهة للعدد (v)، ويدل على الشدة والضمة بعلامة مشابهة للعدد ( ) فوق الحرف، وإن وضعت العلامة الأخيرة تحت الحرف فهي دليل على الشدة والكسرة.
2 –معرفة علامات إهمال الحروف غير المعجمة.
3 –قد تكتب الكاف كاللام المقوسة بعض الشيء، (وهو أمر شائع في الكتابات القديمة)، فيظن المحقق بها لاما، ويكون بذلك عوض أن يكتب مثلا (يؤكد)، يكتب (يولد)، ويكون قد خرج عن المعنى.
4 –التعقيبة : هي كلمة تكتب في ذيل ظهر الورقة للحفاظ على ترتيب الأوراق، لأن القدماء لم يكونوا يعرفون ترقيم الصفحات.
خامسا : المران على أسلوب المؤلف ومراجعة كتبه
لكل مؤلف أسلوبه في الكتابة، وكي يعي المحقق هذا الأسلوب لابد له من قراءة الكتاب مرات، ومرات، ويعين على معرفة أسلوب المؤلف أيضا، قراءة كتبه الأخرى إن كانت له كتب أخرى.

الفصل الثاني : وسائل تحقيق النص
من هذه الوسائل :
أولا : الشك في النص أو الشك في النفس
"المحقق المنصف هو الذي يبدأ عادة باتهام نفسه، قبل أن يتهم النص الذي أمامه ..."؛ ومعنى ذلك أن يبدي رأيه فيما أشكل، فإن تيقن في نفسه وأسعفه رصيده اللغوي، فإن تيقن أن ذلك صحيحا يبحث له عما يدعمه، وإن كان خطأ بحث له عن الصواب. فالمحقق دائما في البحث.
ومن الأمثلة على التغيير الناتج عن سوء الفهم، "ما صنعه محمد عبد المنعم خفاجى في تحقيقه "قواعد الشعر" لثعلب، ففي بعض فصول هذا الكتاب، يقسم ثعلب أبيات الشعر إلى أقسام متعددة، منها ما سماه هو : "المعدل من أبيات الشعر". وعبارة : "وقال (ثعلب) : المعدل من أبيات الشعر ما اعتدل شطراه".
لكن المحقق "لم يفهم النص، فقطعه عند كلمة : "أبيات"، وجعل "المعدل" : "المعدل" بالذال المعجمة، وقال عنه في الهامش إنه "المعذل بن عبد الله الليثي، شاعر إسلامي قليل الشعر".
فانظر بهذا الخطأ كيف تحول اسم بيت من الشعر إلى اسم شاعر.
مسألة أخرى، إذا حصل فوجد المحقق، المؤلف قد أخطأ، فإنه لا يجب أن يصلح الخطأ في متن الكتاب، وإنما يبقى عليه، ويشير إلى وجه الصواب فيه وفي هوامش التحقيق.
ثانيا : مراجعة مصادر المؤلف
من أهم وسائل تحقيق النص، مراجعة مصادر المؤلف، التي استقى منها مادته العلمية، وكلما تعددت المصادر سهل الوصول إلى الصواب على الرغم مما في تصفح الكتب بأكملها، من مشاق.
"وإهمال الرجوع إلى مصادر المؤلف، يؤدي إلى كثير من الأوهام والخلل في تحقيق النص، والإبقاء على ما أصابه من تحريف وتصحيف.
ومن أمثلة ذلك ما وقع فيه محقق كتاب : "المسائل والأجوبة" للبطليوسي، من أخطاء (فمثلا ص 156) في نص نقله البطليوسي عن ابن قتيبة في "أدب الكاتب" : "وإذا اجتمعت الضأن والمعز وكثرتا، قيل لهما : ثلاثلة"، ولو رجع المحقق إلى أدب الكاتب (ص 65) لعرف أن الصواب : "ثلة" لا "ثلاثلة" كما في المخطوط".
ثالثا : مراجعة المؤلفات المماثلة
كما يجب على المحقق مراجعة مصادر المؤلف، يجب عليه أيضا مراجعة المؤلفات المماثلة في الموضوع للكتاب الذي يحققه.
فإن كان في النحو، راجع كتب النحو، وإن كان في الفقه الشافعي، راجع الكتب المتخصصة بذلك، وهكذا في جميع الموضوعات.
رابعا : مراجعة النقول عن الكتاب، والحواشي والشروح
في بعض الأحيان قد لا يكون للمحقق مناصا من هذا العمل فلولا الحواشي والشروح التي صنعها العلماء لبعض الكتب لكان متعذرا على بعض المحققين فهمها؛ "فلا يحق مثل أن ينشر كتاب سيبويه، دون رؤية أحد الشروح الموسعة عليه، كشرح أبي سعيد السيرافي مثلا...".
خامسا : تخريج النصوص
"تخريج النصوص هو البحث لها عما يؤيدها، ويشهد بصحتها في بطون الكتب ...". فقد يبدو النص واضحا من ظاهره، فيتهاون المحقق عن مراجعته وتخريجه في المصادر، ما بإمكانه أن يفسد النص، أو ينسبه لغير قائله، ومثال ذلك ما أورده المرادي في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني"، ما نصه : "وقد جعل بعضهم اللام في قوله تعالى : (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) لام الجحود، على قراءة الكسائي" (الجنى الداني، ص 117).
وقراءة الكسائي هي : "لتزول"، وصواب العبارة "على قراءة [غير] الكسائي"، فكان حذف [غير] هو الذي أخرج النص عن أصله، فنسبه لغير قائله، وهذا غير جائز في التحقيق البثة، لذلك يجب أن يكون المحقق حذرا في مثل هذه الأمور.
والنصوص التي يتم تخريجها في الكتاب المحقق كثيرة، منها ما يتعلق بالقرآن، ومنها ما يتعلق بالأحاديث، ومنها ما يتعلق بالأشعار، والأمثال، والأعلام، وأسماء الأمكنة والبلدان، ومعاجم اللغة.

الفصل الثالث : إعداد النص المحقق للنشر
من الأمور التي يجب أن يأخذ بها المحقق في هذه المرحلة، ما يلي :
أولا : المقابلة بين النسخ
إن الهدف من المقابلة بين النسخ هو الخروج بصيغة صحيحة، وإثباتها في صلب النص عند نشره، أما النسخ الأخرى فتوضع في هامش الصفحة.
هذه الصيغة الصحيحة يتوصل إليها المحقق، عند مراعاة ما يسمى (بالمواضع الموازية في نص الكتاب)، هذه المواضع لا تتحقق إلا بطريقتين، أولاهما عرضية، والثانية نظامية (منهجية).
أما الأولى فأن يقرأ الكتاب، ويحدد ما فيه من الشكوك والمشكلات ومحاولة التوصل إلى حل.
وأما الثانية فتتمثل في وضع "فهارس للكتاب" تحتوي على كل ما يكون جديرا بالالتفات إليه، من المفردات، والتراكيب، والعروض، والنحو ...".
وقد تكشف المقابلة في بعض الأحيان عن الخلل في ترتيب أوراق هذا المخطوط أو ذاك.
والتغيير الحاصل في النص من لدن الناسخ، قد يكون تعمدي بأن يتقدم الناسخ إلى الإيضاح، وإلى ما يظنه إصلاحا، فيكتب ما يخالف الأصل، وقد يكون اتفاقي في حال إصابة الناسخ بالسهو والغفلة.
ومن أسباب الوقوع في التحريف النقل من عدة نسخ، مخطوطة بخطوط متنوعة، ويزداد التحريف استفحالا إذا لم يكن المحقق على إلمام ودراية بتلك الخطوط. مثال ذلك في ديوان عبيد بن الأبرص، الذي نشره المستشرق الإنجليزي : لايل lyall، فقد جاء فيه: "حتى أتى شجرات واستكل عنهن" وفي ذلك تحريفان، والصواب :واستظل تحتهن".
وأغلب الظن أن الديوان كان مكتوبا بالخط المغربي، والظاء فيه شبيهة بالكاف في الخط النسخي.
 وقد يكون التصحيف ناتجا عن خطأ في السماع "ومن ذلك ما زوى عن علي بن الحسن الأحمر، أنه قال يوما أمام الكسائي : "يقال : حمراءة وبيضاءة، فقال له الكسائي : ما سمعت هذا ! فقال الأحمر : بلى والله، سمعت أعرابيا ينشد، يقال له مزيد:
كأن في ريقته لما ابتسم
بلقاءة في الخيل عن طفل متم
فقال الكسائي : ويحك ! إنما هو : بلقاء تنفي الخيل عن طفل متم".
وقد يكون التصحيف ناتجا عن خطأ في الفهم أحيانا، فقد "حكى العسكري (...) أن بعض المحدثين صحف : "لا يورث حميل إلا ببينة" فقال : "لا يرث جميل إلا بثينة" (شرح ما يقع في التصحيف والتحريف، ص 51).
والحميل : هو الذي يحمل من بلده صغيرا، ولم يولد في بلد الإسلام.
ومن التحريفات التي صادفها الكاتب في بعض رسائل طلابه : "وكنا نتهاواه"، والصواب : "وكنا نتهاداه".
خلاصة القول، يجب على كل محقق أن يكون ذا سعة معرفية وأن يكون صبورا وأمينا ومرهف الحس في التعامل مع المخطوط.
وقد ذكر الكاتب مجموعة من مؤلفات القدامى في التصحيف والتحريف، سنكتفي ببعضها :
-"تصحيف العلماء"، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (تـ 276 هـ).
-"التنبيه على حدوث التصحيف"، لحمزة بن الحسن الأصفهاني (تـ 350 هـ).
-"التنبيهات على أغاليط الرواة"، لعلي بن حمزة البصري (تـ 375 هـ).
-"تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن نوادر التصحيف والوهم"، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (تـ 464 هـ).
 -"تصحيح التصحيف وتحرير التحريف في اللغة"، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (تـ 764 هـ).
من المحدثين :
-عبد السلام هارون، الذي عقد في كتابه "تحقيق النصوص ونشرها" فصلا بعنوان: "التصحيف والتحريف" (65-71).
-محمود الطناحي، الذي ضمن كتابه : "مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي"، محاضرة عن التصحيف والتحريف (285-316).
ثانيا : الزيادة والنقص
الزيادة والنقص في النص لا تكون إلا لضرورة، وحتى وإن حدثت الزيادة فيجب أن توضع بين قوسين، ويشار إلى مكان استجلابها في الهامش.
أما النقض فإن حدث، فإن ذلك يسمى "بالخرم"، وقد يكون السبب فيه ما يسمى "بانتقال النظر في القراءة".
من ذلك ما حدث للبلاذري في "فتوح البلدان"، وهو يتحدث عن فتح دمشق؛ قال : "دخل يزيد من الباب الشرقي صلحا، فالتقيا بالمقسلاط، فأمضيت كلها على الصلح" (1/147)، وهو نص غير مفهوم على هذه الصورة.
وإذا رجعنا إلى مصدره (الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام) وجدناه كما يلي : "دخل يزيد من الباب الصغير قسرا، ودخلها خالد بن الوليد من الباب الشرقي صلحا، فالتقيا بالمقسلاط، فأمضيت كلها على الصلح" (177).
وقد يؤدي انتقال النظر أحيانا إلى الزيادة إلا أن ذلك نادرا بالمقارنة مع ما يحصل من نقص.
وليس "انتقال النظر" هو السبب الوحيد فيما يحصل من نقص أو زيادة، فهناك بعض النساخ الجهلة الذين يقحمون في النص ما لا يطيقه.
ثالثا : ضبط ما يشكل من الكلمات
ما من كتاب وإلا يحتاج عند تحقيقه إلى ضبط الكلمات المشكلة، شريطة ألا يتعارض ذلك مع قصد المؤلف.
ويكون الضبط ضروريا أكثر عندما يتعلق الأمر بالوزن كآيات القرآن الكريم، وأبيات الشعر، فالأمر أشد حساسية؛ فتغيير حركة أحيانا قد ينجم عنه اختلال الوزن بأكمله.
وإذا كانت المخطوطة بخط المؤلف، فلا يجب أن يغير من ضبطها شيئا، إلا عندما يتوفر النص الشاهد على ثقافته.
رابعا : الإشارة إلى مصادر التخريج
مصادر التخريج : هي المصادر التي اعتمدها المحقق في إثبات صحة النص الذي يحققه، وفي ذلك خطوات :
أول خطوة : تتمثل في مراجعة مصادر المؤلف مخطوطة كانت أو مطبوعة، والإشارة إلى مكان وجود النص في كل مخطوط، إن حدث أن وجد، بعد ذلك يكون المحقق ملزما بنقل النص، ووضعه في الهامش، حتى يتبين صنيعه في النص المحقق.
ومما ينصح به في هذه الحال، هو تخريج النصوص بالاستناد على المصادر الثانوية (عدم الوساطة)، وذلك بالفعل إذا أمكن الاطلاع على المصدر الأساس.
ثاني خطوة : تتعلق بالإحالة : وتتم بـ : ذكر اسم الكتاب مختصرا، وإن كان مكونا من أجزاء يجب ذكر رقم الجزء ورقم الصفحة؛ هكذا : (عيون الأخبار، 2/116)، ولا داعي لذكر اسم المؤلف إلا إذا كان اسم الكتاب مشتركا بين مؤلفين (كالكامل للمبرد / والكامل لابن الأثير).
وقد اعترض الكاتب على تقديم اسم المؤلف، على اسم الكتاب، في الإحالة وعدا ذلك بدعة وافدة من الغرب. لابأس أن تستخدم مع المصادر الغربية.
ومما يعترض عليه الكاتب أيضا : ذكر العنوان بتفاصيله، ويجد في لائحة المصادر غنى عن ذلك، وأيضا عبارة "المصدر نفسه" أو "نفسه" وعيب ذلك يكمن في ضرورة النظر إلى هامشين، بدلا من هامش واحد خاصة إذا كان الأول في صفحة، والثاني في صفحة أخرى.
من البدع أيضا الفصل في الهامش بين المصادر بفاصلة، والمكان وفي هذا كله للواو، مثال ذلك اختصار أسماء الكتب في حروف (تاج العروس : ت ...).
ثالث خطوة : تتعلق بتخريج الأشعار، وأول شيء يراعى في تخريج الأشعار هو الوزن، بالإضافة إلى رؤية الدواوين والمجاميع الشعرية.
بقي الحديث عن المعاجم اللغوية في التحقيقات والبحوث : في هذا الحال يكون الاكتفاء بذكر المادة في المعجم دون ذكر الجزء والصفحة بدعة لا أساس لها من الصحة.

الفصل الرابع : مكملات التحقيق والنشر
من هذه المكملات :
أولا : المقدمـــــــــــــة
"تشتمل على ترجمة وافية لصاحب الكتاب المحقق، وكلمة عن قيمة الكتاب وفائدته في فنه، مع العناية بإظهار تأثره بغيره وأثره فيمن اتبعه، ويلي ذلك وصف للمخطوطات التي توجد من هذا الكتاب في العالم، وبيان لما اعتمده المحقق منها لإخراج النص".
ثانيا : الفهارس
الفهرس هو مفتاح الكتاب، والذي يصل من خلاله الباحث إلى بغيته بأقل جهد وأقصى سرعة ممكنة.
وتتعدد الفهارس بتعدد المواضع، فهناك : فهارس الآيات، والحديث والأثر، والأمثال والحكم، واللغة، والقوافي، والأعلام، والأمم والأماكن، والكتب ... .

الباب الثالث : مقالات في نقد تحقيق التراث
في هذا الباب عرض رمضان عبد التواب لبعض كتب التراث التي تم تحقيقها، وفي نظره أن هذه التحاقيق لازالت تعتريها العديد من الشوائب.
من هذه الكتب : "المزهر في علوم اللغة"، للسيوطي، و"حول لحن العوام" لأبي بكر الزبيد، و"العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي... .
وسنكتفي بالوقوف عند الكتاب الأول، وموقف رمضان النقدي منه.
يرى رمضان عبد التواب أن كتاب "المزهر في علوم اللغة"، من أجل كتب اللغة وأنفعها.
والكتاب على نفاسته، لم تطله بعد يد التحقيق، بكل ما تحمل الكلمة من معاني وآية ذلك حسب الكاتب :
1 –إذا كان من شروط التحقيق، معرفة نسخ المخطوط العديدة بالرجوع إلى كتب وفهارس المخطوطات (كتاب بروكلمان مثلا)، فإن محققي هذا الكتاب (هم : محمد أحمد جاد المولى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، م دار إحياء الكتب العربية، 1958 م)، قد أغفلوا هذا الجانب، واكتفوا بالنسخ المطبوعة من قبل.
2 –لم يقف بهم الأمر عند هذا الحد، بل أخذوا في إضافة الكثير إلى صلب النص من كتب أخرى.
فالمعروف إذا أضاف المحقق إلى النص حرفا أو لفظا يقتضيه السياق، أن يضعه بين قوسين تنبيها على ذلك، أما أن ينقل إلى صلب النص عبارات وجملا كاملة من كتب أخرى، دون حاجة إلى ذلك، فهذا ما لا يقبله العقل.
3 –إنهم أغفلوا بعض الألفاظ، لم يضبطوها واكتفوا بالإشارة إليها في ذيل الصفحات، مع الحاجة الماسة إلى ضبط بعضها؛ من ذلك قول السيوطي في المزهر : "وقال أبو عبيد في الغريب المصنف : لا يعرف في كلام العرب : فعليل ولا فعليل، إنما هو فعليل"، (فقد تركت هذه العبارة غير مضبوطة، ولو رجع الناشرون لاستطاعوا ضبطها، وصواب الضبط كما في مخطوطات الغريب المصنف : "لا يعرف في كلام العرب فعليل ولا فعليل، إنما هو فعليل").
4 –أن المحققين يقرون التحريف أحيانا، ويخطئون المصادر الأخرى الصحيحة، ففي نشرتهم للمزهر يبقون على عبارة "أبزت له وهبزت له" مع أنها هي التحريف، والصحيح ما ذكره أبو علي القالي في آماليه، "يقال : أنرت له وهنرت له".
هذا بالإضافة إلى تكرار بعض العبارات، وبعض الأخطاء المطبعية، مع وجود خلل في الفهارس،.


خـــــاتمـــــة :

يحق القول إن رمضان عبد التواب قد بلغ جهدا مضاعفا في كتابه هذا، وأبان عن براعته وأحقيته بالتحقيق.
وفي نظري أن كتاب رمضان عبد التواب هذا، من أمهات الكتب، التي يجب أن يرتكز ويعول عليها في التحقيق.
أتمنى ألا أكون قد أسأت إلى هذا الكتاب بهذا التلخيص الوجيز، بحكم أن كل كلمة فيه، أساسية في هذا الباب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين
والسلام.

الخميس، 6 أكتوبر 2011

مدونة أقصوصة: أقصوصة على حين غَـرة

إن مدونة أقصوصة للأخت كريمة سندي تحمل بالفعل من التعابير والأفكار والأحاسيس والميولات ما ينم عن وعي الأخت العميق وعن قدم التجربة في عالم القص والأقصوصة.
متمنياتي لها بالمزيد من التألق والمزيد من العطاء.










الاثنين، 18 يوليو 2011


النص والخطاب بين البلاغتين : القديمة والحديثة

حميد المساوي
مقدمة:

إن الحديث عن النص والخطاب، لازالت تتخلله مجموعة من الشوائب والإكراهات، التي قد يكون السبب فيها تعدد المجالات المعرفية التي عرضت للموضوع، من لسانية، وتداولية، وبلاغية، ومنطقية، وفلسفية، واجتماعية، ونفسية بل وتعدد وجهات وزوايا النظر لهذين المفهومين.
والحديث عن النص والخطاب ضمنيا هو الحديث عن البلاغتين، القديمة والحديثة، وعن أوجه الائتلاف والاختلاف بينهما، ومجال اشتغال كل واحدة على حدة. ما يدفعنا لطرح مجموعة من الإشكالات، قد تكون  الإجابة عنها دليلا لإزالة العتمات التي تتخلل الموضوع، وهي:
- ما الفرق بين البلاغتين؟ هل يتحقق بفعل الزمن؟ أم أنه فرق ذو طبيعية منهجية وصورية؟
- هل ما أنجز قديما يصلح للدراسة الحديثة؟
- هل النص المدروس ذو بعد جمالي؟ أم أنه يمتد ويشمل نصوصا أخرى؟
- ما الفرق بين النص والخطاب ؟ وما هي حدود التقارب والتمايز بينهما؟
كل هذا سنأتي عليه بعد أن نحدد الإطار المفاهيمي للنص والخطاب.

 I- الإطار المفاهيمي للنص والخطاب:

1- النص:
وردت هذه الكلمة في المعاجم العربية بمعان مختلفة أهمها ما قاله ابن منظور في لسانه، والفيروزبادي في قاموسه المحيط: "(نص) الحديث إليه: رفعه (...) ومنه فلان ينص أنفه غضبا. وهو نصاص الأنف. والمتاع: جعل بعضه فوق بعض، وفلانا: استقصى مسألته عن الشيء (...) والشيء: أظهره. والشواء ينص نصيصا: صوت على النار (...)".
والنص: الإسناد إلى الرئيس الأكبر، والتوقيف والتعيين على شيء ما، وسيرٌ نصٌّ ونصيصٌ: جد رفيع . وإذا بلغ النساء نصَّ الحِقَاقِ، أو الحقائق، فالعصبة أولى: أي بلغن الغاية التي عقلنا فيها، أو قدرن فيها على الحقاق وهو الخصام، أو حوقَ فِيهِنَّ فقال كلٌّ من الأولياء: أنا أحق، أو استعارة من حقاق الإبل: أي انتهى صغرهن، ونَصِيصُ القوم: عددهم، والنَّصَّةُ: العصفورة. وبالضم: الخصلة من الشَّعَرِ أو الشَّعَرِ الذي يقع على وجهها من مقدم رأسها. ونَصَّصَ غريمه، ونَاصَّهُ: استقصى عليه وناقشه. وانتص: انقبض. وانتصب وارتفع"[1]
فالنص بمفهومه اللغوي يدل على الارتفاع، والتتابع، والتنصيص، والكمال – وبمفهوم آخر، النص تتابع لمجموعة من الجمل ترتفع عند نقطة محددة يكتمل فيها النص وتتحقق فائدته.
والنص بمفهومه الاصطلاحي تتولد عنه مجموعة من التعريفات، كل بحسب نوع الدراسة التي اهتمت بهذا النص، منذ القديم، وإلى حدود الساعة، قد يكون الجامع، بينها أن النص وحدة لغوية. وكما يقول الأستاذ يوسف الإدريسي "يستحيل الحديث عن النص في غياب اللغة"، وبالفعل فاللغة عامل مشترك في جميع المجالات، هذا الجانب اللغوي الذي جعل من بارت ينظر إلى اللسانيات كعلم أعم يمكن أن يندرج ضمنه علم السيميائيات، عكس ما ادعاه أستاذه (سوسير) من قبل.
أقرب من هذا، النص عبارة أو مجموعة من العبارات تحكمها قوانين الاتساق الداخلي (الصوتية، والتركيبية، والدلالية الصرف).
وسنأتي على هذه الأمور مطولا عند الحديث عن النص في البلاغتين، القديمة والحديثة.

2- الخطاب:
"(...) الخطاب والمخاطبة، مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة" وخطابا، وهما يتخاطبان (...)، قال بعض المفسرين في قوله تعالى: وفصل الخطاب؛ قال: هو أن يحكم بالبينة أو اليمين، وقيل: معناه أن يفصل بين الحق والباطل، ويميز بين الحكم وضده، وقيل: فصل الخطاب أما بعد، وداود عليه السلام، أول من قال: أما بعد؛ وقيل فصل الخطاب الفقه في القضاء..."[2].
وفي القاموس المحيط: "خ.ط.ب: (الخطب) الشأن. والأمر صغر أو عظم ج خطوب (...)، والخطاب – كشداد: المتصرف في الخطبة، واختطبوه: دعوه إلى تزويج صاحبتهم. وخطب على المنبر خطابه بالفتح، وخطبة بالضم، وذلك الكلام خطبة أيضا، أو هي الكلام المنثور المسجع ونحوه، ورجل خطيب: حسن الخطبة بالضم..."[3].
الواضح من هذا أن الخطاب هو تبادل الكلام بين شخصين، وهو حبل الوصل بين الخطيب والمخاطبين.
وفي الاصطلاح تدل كلمة خطاب على "... أجزاء من اللغة أكبر من الجملة يتلفظ بها المتكلم خلال عملية التواصل أو التفاهم مع غيره كما نرى في المحادثات والأحاديث الصحفية والنصوص"[4].
ويرى المتوكل أن المصطلح لم يحظ إلى حدود الآن بتعريف قار، ذلك أن الحدود بين الخطاب والنص متقاربة جدا لدرجة يصير معها المصطلحان مترادفين. ومع هذا يمكن القول إن الخطاب إنتاج لغوي يربط بنية النص الداخلية بظروفه المقامية بالمعنى الواسع[5].

ΙΙ- النص والخطاب في التراث البلاغي:

1- النص:
كان لقدوم الإسلام دور مهم في توجيه الكتاب، بحكم ارتباطهم بالنص الديني، وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم، فنادرا ما نجد نصا خاليا من البسملة والحمدلة، والتصلية على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بالإضافة إلى ذلك، كانت النصوص تدبج بعناصر أخرى كالتشهد والدعاء... وتعقبها عبارة "أما بعد"، (فصل الخطاب)، فاصلة بين الدعاء واستهلال الخطاب، ومهيئة المتلقي نفسيا وفكريا لتلقي الخطاب.
وتتنوع استهلالات الكتب وتختلف بحسب مضامينها وموادها العلمية، فإن كان الكتاب في البلاغة استهله صاحبه بالثناء على البيان (البيان والتبيين – الجاحظ)، وإن كان في الإعجاز استفتحه بحمد الله على إقامة البرهان بكتابه (إعجاز القرآن – الباقلاني)، وإن كان في النقد صدره بحديث عما يميز جيد الشعر من رديئه (قدامة بن جعفر)...[6]
وقد اهتم العلامة  الشيخ عباس ارحيلة بهذه المسائل بشكل واف وكاف في الفصل الثالث من كتابه "مقدمة الكتاب في التراث الإسلامي وهاجس الإبداع".
وغير هذا، فقد اهتم الكتاب بما أطلق عليه "عتبات النص" ومن ضمنها: اسم المؤلف، والعنوان، والأيقونة، ودار النشر، والإهداء، والمقتبسة والمقدمة... التي على الرغم من تباعدها الظاهري عن فحوى النص، من حيث التركيب والأسلوب، إلا أنها تتفاعل معه دلاليا وإيحائيا. ما بإمكانه أن يولد خطابا  شاملا يجمع بين النص والعالم[7].
كل هذه المصطلحات توظف لتعيين وإبراز الخطاب المقدماتي وتقريب المتلقي من دواعي التأليف والضوابط المنهجية المتحكمة في ذلك.
وقد حدد الدكتور يوسف الإدريسي – في كتابه المذكور- مميزات النص في ثلاثة مكونات رئيسية، وهي: اسم المؤلف، والعنوان، ثم الخطاب الواصف لمقصود الكتاب.
أما اسم المؤلف، فهو أحد المحددات التي تلازم النص وتتعلق به أيما تعلق، بل  تميزه عن "اللانص"، ولذلك  فالنص خطاب صادر عن شخص معترف به وبقيمته المعرفية، وليس هذا فحسب، بل يملك "سلط رمزية" تجعل منه صاحب ذلك النص بعينه ، والقادر على إنتاج نصوص أخرى، ودون ذلك لا يمكن الحديث إلا على "اللانص".
والاهتمام بهذه المسألة لم يكن وليد الإسلام، وإنما يمتد إلى الفترة الجاهلية، ومن أبرز تجلياتها "الإسناد في رواية الأشعار والأخبار الجاهلية"، وأول من عرف بذلك من الرواة الأصمعي، وأبي عمرو بن العلاء، وتزداد أهمية الأسانيد، وإلحاق النصوص بأهلها مع المفسرين ورواة الأحاديث النبوية الشريفة، وغيرها من العلوم العربية الأصيلة، وذلك لتلخيص النصوص من الوضع، والتحريف، والنحل، وكسب المتلقي الثقة فيما يقرأه، ونسبة الشيء إلى غيره جريمة، قد ينجم عنها ما لا تحمد عقباه، وممن اشتهر بذلك من الشعراء حماد الراوية، وخلف الأحمر، فقد كانا ينسبان شعر هذا، لذاك، وشعر ذاك للآخر. ولعله السبب الذي جعل كثيرا من النقاد المتأخرين يشكون في صحة نسبة الأشعار لأهلها[8].  
وقد كان اهتمام القدماء بتحديد اسم المؤلف لعوامل، أهمها التعصب للقديم والحفاظ على صفاء اللغة، وممن اشتهروا بتعصيبهم للقديم، أبو عمرو بن العلاء (ت 154 هـ) "لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت أن آمر فتياتنا بروايته" وابن الأعرابي وموقفه من بيت أبي تمام:
وعاذل عذلته في عذله


فظن أني جاهل من جهله

فأمر بكتابة الأرجوزة، فلما علم أنها لأبي تمام قال "خرقوه"، وقوله في شعر أبي نواس وأمثاله: "إنما أشعار هؤلاء المحدثين مثل أبي نواس وغيره مثل الريحان يشم يوما ويذوي فيرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلما حركته ازداد طيبا"، وقوله عن شعر أبي تمام: "إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل..."[9].
لكن سرعان ما ستتغير هذه النظرة مع تغير الزمن، فهذا ابن قتيبة (ت 276هـ)، وهو أول ناقد بحق تعرض للمسألة، وعالجها وفق منهج نقدي عادل، يقول: "... لم أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارا له سبيل من قلد أو استحسن باستحسان غيره، ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه وإلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين وأعطيت كل حظه ووفرت عليه حقه، فإني رأيت في علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله ويضعه في متخيره، ويرذل الشعر الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائله..."[10].
إن النص يعكس بجلاء مذهب بن قتيبة النقدي، فقد كان بن قتيبة عادلا منصفا في التمييز بين هذا الشاعر وذاك، وهذا الشعر وذاك، ف "المحك عنده جودة الشعر بغض النظر عن الأقدمية والحداثة أو تقدم قائله أو تأخره"[11]. فهو لم يتعصب لقديم لقدمه، ولا لحديث لحداثته، كما فعل سابقوه.
أما العنوان، فقد حظي في التراث العربي بعناية خاصة، كونه مفتاح الكتاب ونافذته التي يطل منها على عالم النص، فالعنوان هو النص الموازي. والعنوان لا يدرك في علاقة بالنص والقارئ فحسب، وإنما في ارتباطه بالشروط التي أنتجت ذلك النص.
وكل عنوان حمال دلالتين، دلالة قصدية تخص فحوى الكتاب، ودلالة إرسالية تخص طرفا الاتصال.
وقد كان العرب القدامى، والبلاغيين منهم على وجه الخصوص واعين بالمسألة أشد الوعي، فعندما يسمي الثعالبي كتابه "بيتيمة الدهر" وابن الأثير بـ "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، وابن هشام بـ "المغني" والسيوطي بـ "المزهر" والسكاكي بـ "مفتاح العلوم" وحازم بـ "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" وغيرهم الكثير.
 فهؤلاء كلهم كانت رغبتهم هي شد المتلقي أو القارئ إليهم، وإرغامه بصورة من الصور على قراءة الكتاب.
حتى أن هناك من عنون كتابه بأبيات شعرية، ومن أولئك أبو نواس (ت 198هـ):
هذا كتاب بدمع عيني
إلى حبيب كنيت عنه


أملاه قلبي على لساني
أجل ذكر اسمه لساني[12]

وإنه لعجيب أن يعنون شخص كتابه بأبيات شعرية، فيكون ذلك منه لتهييئ القارئ نفسيا للقراءة.
فيما يخص الخطاب الواصف أو المقدمة، فقد حظيت هي الأخرى بأهمية بالغة "... ذلك لأنها تعتبر المدخل الرئيس والطبيعي إلى أغوار النص، فضلا عن كونها تمثل كلا جامعا لعناصر وجزئيات عديدة كالاستفتاح واسم المؤلف والعنوان وغير ذلك. بيد أن القيمة الأساس للمقدمة في أدبيات "التصدير" في التراث العربي لا تنحصر في هذين الاعتبارين، بل تهم – بالدرجة الأولى – المجال الدلالي للنص، ومستويي إنتاجه وتلقيه"[13].
فالمقدمة خطاب واصف لمتن الكتاب، ودواعي التأليف، والمنهجية المتبعة، والمشاق التي قطعها المؤلف طيلة فترة التأليف. كل ذلك لإقناع القارئ بأهمية الكتاب، وتهييئه نفسيا وذهنيا.

2- الخطاب:
إن اهتمام البلاغيين العرب القدماء بالخطاب، كانت تحكمه مجموعة من العوامل أهمها تلك التي تعلقت بالدين الإسلامي، نظرا للدور الذي تلعبه بلاغة الخطاب في التأثير في الآخر، ولهذا كان الخطاب، خطابا اقتناعيا بالأساس، خطاب قائم على الوعظ والإرشاد. ذلك كله مع مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فكان أول من راع ذلك بحق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته لملوك وأباطرة عصره. فسار المسلمون من بعده على نفس النهج.
والخطاب في التراث العربي الإسلامي حمال أوجه، فهناك خطاب ديني يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أصناف بحسب المتلقي، وحسب الرسالة الموجهة إليه. فإما أن يكون المتلقي خالي الذهن يتقبل المعرفة الملقاة إليه، وهذه الحالة تقتضي خطابا تعليميا، وإما أن يكون غافلا عما ينتظره متناسيا لما تعلمه ويكون الخطاب خطابا وعظيا، وإما أن يكون مخالفا جاحدا لوجهة نظر المرسل، والحالة هنا تقتضي خطابا حجاجيا[14].  

أ- الخطاب التعليمي:
وهو الذي يكون فيه المرسل والمتلقي في حالة عطاء وتقبل، فإن تحقق ذلك كان الخطاب ابتدائيا، وهو أظهر في الرسائل منه في الخطب، وهو خطاب إنشائي بالدرجة الأولى، أي أنه يراعي الجانب الجمالي، ويكون اهتمام المرسل فيه منصبا على إحصاء الأوامر والنواهي، لا الجدل.
ومن ذلك وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأسامة وجيشه: "أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر، فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تقعروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة"[15].
وقد صح عن الترمذي وأحمد، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".
وقد يقترب الخطاب التعليمي أحيانا من الخطاب الوعظي، كما هو الحال في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حيث "... تتكرر هذه اللازمة "ألا هل بلغت اللهم اشهد" في نهاية كل فقرة متجاوبة مع النداء والتوكيد "أيها الناس إن..." في أول الفقرات"[16].
ونظرا لدور هذا الخطاب الفعال في التعريف بالإسلام والحث على التمسك به، قرن بمنابر في المسجد، منذ الصدر الأول، إلى حدود الساعة، وربما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ب- الخطاب الوعظي:
في هذا الخطاب يكون المتلقي غافلا ومقصرا فيما يجب عليه.
وقد ازدادت العناية بهذا النوع من الخطاب في العصر الأموي خلافا لما كان عليه الأمر في صدر الإسلام، آية ذلك أن الواعظ أو المرسل أصبح يحس بإفلات المستمع أو المتلقي من قبضته، وذلك بفعل الصراعات الاجتماعية والسياسية التي أصبح يعيشها المجتمع. "لذلك قام الوعظ في أول الأمر على المزاوجة بين الوعد والوعيد كما هو الشأن في بعض مواعظ علي بن أبي طالب الذي يذكر بعذاب الآخرة حتى إذا رأى تغير أحوال مستمعيه وخوفهم ذكرهم بالنعيم..."[17].
لكن سرعان ما تغير هذا الأمر بفعل توسع الإمبراطورية الإسلامية وميل الناس إلى الحياة وشؤونها. فأصبحت العلاقة بين المرسل والمتلقي متوترة أشد التوتر. وقد كان للصراع بين الشيعة (أنصار علي بن أبي طالب) والخوارج (الخارجين عن علي بن أبي طالب) دور كبير في هذه المسألة.
وأصبح المعنى الملح على الخطباء، هو زوال الدنيا وخداعها، وبقاء الآخرة وضرورة التزود منها.
فمن خطب سحبان وائل (وهو أخطب العرب بشهادة معاوية): "إن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار، أيها الناس: فخذوا من دار ممركم لدار مقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم، قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها حييتم، ولغيرها خلقتم".
إن الرجل إذا هلك، قال الناس: ما ترك؟ وقال الملائكة: ما قدم؟ قدموا بعضا يكن لكم، ولا تخلفوا كلا يكن عليكم"[18].
ج- الخطاب الحجاجي:
إن المخاطب في هذه الحال موضوع موضع المنكر الجاحد، حسب تصنيف البلاغة العربية لمن يلقى إليهم الخبر، فاقتضى الأمر أن يعتمد على الحجج والبراهين العقلية والنقلية بحسب نوع الثقافة والإيديولوجية التي تحكم المخاطب، وقد يستدعي الأمر أحيانا التعسف والاحتيال.
ومن ذلك "مناظرة عقدها هشام ابن عبد الملك، لغرض في نفسه، بين الأوزاعي العامل السني (157هـ) وبين غيلان الدمشقي الذي يعتبر من أوائل المتكلمين في قضية القدر، وقد بدأها الأوزاعي بقوله:
"أسألك عن خمس أو عن ثلاث؟
- فقال الأوزاعي: هل علمت أن الله أعان على ما حرم؟
- قال غيلان: ما علمت، وعظمت عنده.
- قال: فهل علمت أن الله قضى على ما نهى؟
- قال غيلان: هذه أعظم، ما لي بهذا من علم.
- قال: فهل علمت أن الله حال دون ما أمر؟
- قال غيلان: حال دون ما أمر؟ ما علمت.
- قال الأوزاعي: هذا  مرتاب من أهل الزيغ!
فأمر هشام بقطع يده ورجله".
وكان جواب الأوزاعي عن هذه الألغاز المغرضة:
"نعم قضى على ما نهى عنه: نهى، آدم عن أكل الشجرة، وقضى عليه بأكلها وحال دون ما أمر: أمر إبليس بالسجود لآدم، وحال بينه وبين ذلك، وأعان على ما حرم، حرم الميتة، وأعان المضطر على أكلها"[19].
فالمناظرة هنا استهدفت الإيقاع والإدانة.
وقد يلجأ المتناظران إلى بتر الشاهد أو تحريفه، فضلا عن فتح مجال التأويلات البعيدة ما قد يثير حفيظة الطرف الآخر.
فهذا عمر بن عبد العزيز بلغه أن غيلانا وفلانا نطقا في القدر فأرسل إليهما. قال: ما الأمر الذي تنطقان به؟[20]
فقال: هو ما قال الله، يا أمير المؤمنين.
قالا: ما قال الله؟
قالا: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر، لم يكن شيئا مذكورا" ثم قالا: "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا"، ثم سكتا.
فقال عمر: اقرآ، فقرآ حتى بلغا: "إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا، وما تشاءون إلا أن يشاء الله" إلى آخر السورة.
فقال: كيف تريان يا ابني الأتانة! تأخذان الفروع وتدعان الأصول.
ما سبق يفيد أن العلاقة بين المتناظرين في الخطاب الديني لم تكن بين الأنداد، بل كان أحد طرفيها مدعما في غالب الأحيان باعتبارات سياسية، سواء كان المتناظر رجل سلطة أو من الموالين لها[21].
وهناك خطاب سياسي:
وهذا النوع من الخطاب شديد السلطة بشؤون السياسة، ويتمثل في خطب الصلح، وخطب الصراع حول الخلافة والحكم داخل المجتمع الإسلامي.
وقد برزت معالمه الأولى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم اشتد الوطيس بين الفرقاء في سقيفة بني ساعدة يحتج كل واحد منهم بأسبقيته في الخلافة، واستئنفت المسألة بعد مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وعثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وتكون الأحزاب السياسية، عندها أصبحت معالم هذا الخطاب واضحة.
ويمكن تصنيف هذا الخطاب بحسب العلاقة بين المتحاورين إلى صنفين كبيرين:
أ- الحوار بين الأنداد: 
"دار هذا الحوار حول قضية الخلافة وشؤونها، واعتمد النصح والمشاورات والمناظرات، ولم يكن هذا الصنف من الخطاب غريبا  عن العرب  في حياتهم الجاهلية سواء في شؤون الحرب أو الرئاسة، وكانت لقريش دار للمشاورات في حالتي السلم والحرب يتحدث فيها الخطباء مدافعين عن وجهات نظرهم، ولذلك كان عاديا أن يعودوا إلى هذا التقليد بعد موت الرسول. غير أن الأمور ستأخذ مسارا آخر لاختلاف تركيبة المجتمع الإسلامي الجديد عن نظام القبيلة"[22].
والمناسبة الأولى جمعت بين أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)، وبين ممثل المهاجرين، وممثل الأنصار. فكان الحكم في نهاية المطاف إلى الأنصار لكثرة عدتهم وعددهم.
والمناسبة الثانية كانت بعد مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وكان الخطاب فيها من الند للند فانتهت المشورات فيها بترشيح عثمان بن عفان (رضي الله عنه) كخليفة بعد عمر بن الخطاب.
وبعد قتل عثمان طال السرى، وركبت أعجاز الإبل، واشتد الحوار بين بني هاشم وبني أمية فتحولت الخطابة من المشاورة إلى المفاخرة.
وبعد أن تولى بنو أمية الحكم  تحول مجرى الخطاب، وأصبحت المخاطبات الاستشارية تتم داخل الأحزاب والجماعات المنسجمة[23].
وفي جميع الأحوال، فالخطاب في هذه المرحلة ذو وجهين، خطاب يستند إلى المنطق والحجة بعيدا عن التهديد والمدح والهجاء، وآخر بين الأنداد قائم على المفاخرة والمدح والدم، والخطاب بنوعيه بعيد عن الزخر والتنميق.
ب- الحوار بين الراعي والرعية:
هذا النوع من الحوار يكون في الغالب بين راع متمسك بموقفه وكلمته العليا، وبين رعية تنازعه هذا الحق، ما يفرض على الراعي أن يلين خطابه، ويقبل النصف في نفسه، ويخاطب نازعيه مخاطبة الند للند، وهي التجربة التي عاناها عثمان مع الثوار وعلي مع طائفة من جنوده اتهموه بسوء التدبير. كما عانى علي من علاقة أخرى مع جنده قبل معركة صفين التي جمعته بمعاوية، وقد كانت له في ذلك خطبة مشهورة. وإذا كان حواره الأول تطلب الحجة والإقناع فإن الثاني تطلب التحميس وتحريك الهمم والإثارة العاطفية[24].
وقد شهدت المرحلة ذاتها خطبا قائمة على الاتهام والتهديد والوعيد، كخطب الحجاج بن يوسف الثقفي "إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحي تترقرق"[25].
ثم خطاب اجتماعي، يمكن تصنيفه بحسب كثرة موضوعاته إلى صنفين، صنف يخص موضوعات اجتماعية كالعلاقة بين الناس، وتنظيم المجتمع والقضاء بين الخصوم، وهي في أغلبها ذات طبيعية موضوعية. وصنف ذو طبيعة وجدانية هدفه المشاركة والإشراك في المسرات والأحزان كالتعزية والتهنئة ووصف المشاهد والبلاد[26].
كل هذا بالاستناد إلى الأشعار والأحاديث، وآي القرآن في الإقناع. ولم يقف الوضع عند هذا الحد، في الوقت الذي "انتبه فيه دارسو النص القرآني والبلاغيون العرب بالممارسة والمثاقفة، إلى أهمية المثل في إحداث الإقناع. جاء في البرهان في وجوه البيان لأبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن وهب "وأما الأمثال فإن الحكماء والعلماء والأدباء لم يزالوا يضربون ويبينون للناس تصرف الأحوال بالنظائر والأشكال، ويرون هذا النوع من القول أنجع مطلبا، وأقرب مذهبا، ولذلك قال الله عز وجل: ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل" (الروم: 98)، "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" (إبراهيم: 45) (...) وكذلك جعلت القدماء أكثر آدابها وما دونته من علومها بالأمثال والقصص عن الأمم. ونطقت ببعضه على ألسن الطير والوحش، وإنما أرادوا بذلك أن يجعلوا الأخبار مقرونة بذكر عواقبها، والمقدمات مضمومة إلى نتائجها"[27].
والواقع أن المثل أهم دعائم الخطاب الإقناعي والتأثيري، وإذا أخذ بمعناه الواسع المتمثل في التشبيه والاستعارة صار أهم دعائم بلاغة الإقناع.
عموما، فاهتمام البلاغيين العرب القدماء بالخطاب، كان اهتماما لغويا بالأساس. فالبلاغة في عصرها كانت تجيب عن سؤال محدد أساسا بقواعد تسمى بـ "عمود الشعر"، دون تجاوز لقواعد أخرى أخلاقية، وجمالية، وسياسية.
وعندما نقول أن الاهتمام كان لغويا بالأساس، فذلك لأن أغلب مؤرخي علوم البلاغة يقفون عند كون البلاغة نتجت مع "إعجاز القرآن"، وقد وضح هذا مصطفى صادق الرافعي بعنوان "إعجاز  القرآن والبلاغة العربية".
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف نظر البلاغيون المحدثون إلى النص والخطاب؟

III- النص والخطاب في البلاغة الحديثة:

1- النص:
لقد اختلف المحدثون في تحديدهم لطبيعة النص: ومرد ذلك لاختلاف وجهاتهم، ومنابع تفكيرهم، من لسانيات، وأسلوبيات، وسيميائيات، ووظيفيات...
فإذا كان اللسانيون يرون أن "... النص عالما مستقلا لا يحتاج في تحليله إلى عناصر خارجية – فهو يمثل شبكة من العلاقات بين مختلف مستوياتها – ولعل الشكلانيين الروس هم رواد هذه الرؤية فنجد تينيانوف (Tynianov) يؤكد سنة 1927 أن: "الوظيفة البنائية لعنصر من الأثر الأدبي كنظام هو إمكانية دخوله في علاقة متبادلة مع عناصر أخرى لنفس النظام وبالتالي مع النظام بأكمله" ووضحت هذه الرؤية مع البنيويين "فالمنهج البنائي في صميمه يعتبر تحليليا وشموليا في نفس الوقت ويرفض معالجة العناصر  على أنها وحدات مستقلة"[28].
وهم بذلك يركزون على الجانب اللغوي في النص، بناء عل توجيهات (سوسير).
وإذا كان الأسلوبيون (وعلى رأسهم شارل بالي) يرون أن الأسلوب هو النص، يقول فينوقرادوف (Vinogradov) "... في بحثه عن "أهداف الأسلوبية"[29] سنة 1922 يعرج على أن الأسلوب يتحدد بالعالم الأصغر للأدب ويعني به النص وهذا العالم الأصغر يحدده "جهاز الروابط القائمة  بين العناصر اللغوية والمتفاعلة مع قوانين انتظامها"[30].
وهم بذلك يسعون إلى تنزيل عملهم منزلة المنهج الذي يمكن كل قارئ من إدراك انتظام خصائص الأسلوب الفنية، والوعي بما تحققه من غايات وظائفية. فـ "... معدن الأسلوبية حسب بالي ما يقوم في اللغة من وسائل تعبيرية  تبرز المفارقات العاطفية والإرادية والجمالية بل حتى  الاجتماعية  والنفسية، فهي إذن تنكشف أولا وبالذات في اللغة الشائعة التلقائية  قبل أن تبرز في الأثر الفني"[31].  
أما السيميائيات (أهم روادها رولان بارت)، أو علم العلامات La sémiologie، وهو العلم الذي يعنى بدراسة تآلف الظواهر التي تستند إلى نظام علامي إبلاغي في الحياة الاجتماعية كنظام الأزياء أو المآكل أو حتى نظام "الموضة" عامة (La mode).
غير أن لفظ العلامية قد عاد إلى عالم اللغة وبالتحديد إلى مناهج النقد الأدبي فتولدت علامية الأدب (Sémiotique littéraire) وهي تسعى إلى إقامة نظرية في نوعية الخطاب الإنشائي باعتباره حدثا علاميا، أي نظاما من العلامات الجمالية، وميزة العلامة الجمالية أنها قائمة بنفسها ليست فحسب وسيطا دلاليا"[32].
يتضح إذن أن اهتمام علماء السيميائيات بالنص، سينصب بالأساس على الجانب الدلالي في النص وعلاقته بالإبلاغ، من غير إقصاء للبعد الجمالي.
أما الوظيفيون، فقد اعتنوا بالنص وظيفيا، أي كل ما يكسب النص وظيفة جديدة في دلالتها أو إيحائها أو تأثيرها الإنشائي.
عموما، ففهم النص يستدعي الإحاطة بكل الدراسات  التي عالجته، ذلك أن كل دراسة نظرت إليه من زاوية معينة.
والقارئ قبل أن يطلع على عالم النص الداخلي، لابد له أن يمر بعتبات هي تلك التي أفرد لها الأستاذ يوسف الإدريسي فصلا خاصا من كتابه (عتبات النص بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر)، بـ "عتبات النص في التنظير الغربي".
ü أول هذه العتبات "اسم المؤلف":
في النقد الحديث لم يعد اسم المؤلف يحظى بتلك "القدسية" التي كان عليها من قبل، ذلك كله نتيجة تطور العلوم وآلية اشتغالها.
وبمقابل ذلك ازدادت العناية باللغة، كونها هي التي تتكلم، وليس المؤلف.
والجديد أيضا في الدراسة أن كل نص يحمل في طياته عددا هائلا من المعاني القابلة للتأويل والتجديد حسب تعدد القراء، واختلاف شروط تلقي النص وسياقاته التاريخية والمعرفية.
لذلك رأت هذه الدراسات بضرورة فصل النص عن صاحبه، وفسح المجال أمام القراء، فهم الوحيدون الذين لهم حق التأويل والتفسير.
أما مسألة الإسناد فلم تختلف جوهريا بين الاتجاهين القديم، والحديث، فالكاتب لا يستحق صفة الإسناد إلا بعد أن يؤلف العديد من النصوص، وبتعبير القدماء أن يصبح "حجة"[33].
مسألة أخرى هي تلك التي تتعلق "بتكرار اسم المؤلف وتنويع أماكن وضعه" وحسب جيرار جنيت فذلك "يروم الترويج للكتاب وفتح سبل التداول أمامه، خاصة إذا كان مؤلفه مشهورا". وفي نظر الأستاذ قد يكون هو نفسه الدافع الذي يجعل من بعض الكتاب والناشرين يضعون اسم المؤلف بخط أكثر وضوحا من العنوان[34].
ü ثاني هذه العتبات "العنوان":
العنوان هو وسيلة القارئ للكشف عن طبيعة النص، وفك مغالقه، ولذلك ازدادت عناية المحدثين به أكثر مما كان عليه الوضع من قبل.
والعنوان هو الخط الواصل بين القارئ والنص.
ولهذا كله استأثر العنوان بعناية اللساني والسيميوطيقي، وعالم النفس، وعالم الاجتماع، ومنظر الأدب والناقد[35].
ومع  التطور الذي مس الكتابة، أصبح العنوان يكتسي دلالة قوية، خاصة في مجال الصحافة والسينما، وحتى في الرواية الحديثة[36].
وفيما يخص نوع العنوان، فيتم التمييز فيه بين ثلاثة أنماط:
"أ- العنوان الذاتي Subjectal أو الموضوعاتي Thématique بلغة ج. جنيت، وهو العنوان الذي يعين موضوع النص ويحدده مثل: الإبحار في ذاكرة الوطن لحلمي الزواتي (...).
ب- العنوان الموضوعي: Objectal، وهو العنوان الذي يعلن انتماء النص إلى أحد أصناف القص مثل: حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي (...).
ج- العنوان المختلط: وهو العنوان الذي يراوح بين الذاتي والموضوعي، ويتحقق ذلك في العنوان الفرعي لرواية حيدر حيدر: وليمة لأعشاب البحر – نشيد الموت؛ إذ يحيل إلى شكل أدبي هو النشيد، وإلى الموضوعة المهيمنة في النص وهي الموت"[37].
ü ثالث هذه العتبات "الأيقونة":
الأيقونة هي تلك الصورة الموجودة على صدر الغلاف، وغيابها لا ينقص من قيمة الكتاب شيئا، لكن وجودها يغني الكتاب، ليس بدافع الزخرفة أو التنميق، وإنما كونها تشكل حلقة وصل بين القارئ والمتن.
ولذلك فتوظيف الأيقونة لا يأتي هكذا عبثا، وإنما باستشارة أساتذة وفنانين مختصين في المجال. وهو الشيء نفسه الذي قام  به أستاذي الجليل يوسف الإدريسي في كتابه المذكور، عندما اختار الفنانة المبدعة نادية خيالي كمصممة للوحة الغلاف.
والاهتمام بالأيقونة لم يظهر إلا مؤخرا، بعد أن أصبحت الضرورة تفرض استعمال أساليب أكثر انتباها وجاذبية. 
وتتخذ الأيقونة أشكالا وتمظهرات متنوعة، فأحيانا توظف في صفحة الغلاف الأولى، وهو المتداول، وقد تشمل الصفحات الأربع الأولى، كرواية محمد برادة: "لعبة النسيان"...
وهناك نوع آخر يتجلى في "الكتابة الأيقونية للدليل اللغوي"، ومن ذلك رواية: "النهايات" لعبد الرحمان منيف. وهناك مستوى آخر من الأيقونات هي "تلك التي يعتمد فيها الكاتب إلى وضع صورة فوتوغرافية أو رسم تقريبي للشخصية التي يتناولها كتابه" كما هو الشأن عند عبد الجليل بن محمد الأزدي مع بيير بورديو، وعباس أرحيلة مع أحمد الطرابلسي[38].
وكل تغيير في الأيقونة ينجم عنه تغيير في الدلالات.
ü رابع هذه العتبات "المقتبسة":
هذا النوع من العتبات لم يظهر إلا في القرن السابع عشر الميلادي كما  أشار إلى ذلك جيرار جنيت، حيث إن "المقتبسة الأولى للمصنف، ستكون - في   فرنسا على الأقل – مقتبسة حكم الروشفوكولد، أو بالأحرى حكم التأملات الأخلاقية، طبعة 1678"[39].
والمقتبسة مجموعة توجيهات يوظفها الكاتب في الصفحات الأولى من كتابه. قصد معرفة روح العمل، وتوضيح القصد العام منه[40].
ونظرا لأهمية المقتبسات وقيمتها الجمالية والوظيفية فقد استأثرت بعناية العديد من الكتاب، فأصبحت "تستهل بها الكثير من النصوص الأدبية وغير الأدبية". وتختلف مواضع المقتبسات، فإما بجانب النص، وتحيدا بعد الإهداء ولكن قبل المقدمة "وهو مكانها الطبيعي بحسب ج. جنيت، وإما في صفحة العنوان وهي تقنية قديمة لم تعد تظهر حاليا.  "وإما في آخر النص"[41].
وبالنسبة إلى وظائف المقتبسة، فهي أربع: "التعليق على فكرة النص ومقصديته/ الاتحاد بمقصدية الخطاب والتلميح إليه/ الإشارة إلى شخص المؤلف/ الأثر"[42].
ü خامس هذه العتبات المقدمة:
المقدمة هي كل خطاب استهلالي، غايته تمهيد القارئ نفسيا، وإشعاره بأهمية الموضوع.
"وبالمقارنة بين مقدمات المؤلفات القديمة والحديثة يلاحظ أن المقدمة قديما لا تثير إشكالات كبيرة لكونها كانت توضع في السطور. الأخيرة، كما أن زمن كتابتها يماثل زمن كتابة النص نفسه ونشره بين الناس، وشكلها هو شكل النص نفسه، ويحدد مرسلها في الكتاب الحقيقي أو المفترض، ومستقبلها هو مستقبل النص، أما المقدمات الحديثة فتتميز بخمس سمات:
1- الشكل: ليس النثر هو الصيغة الوحيدة والضرورية لكتابة المقدمة (...).
2- المكان: ليس هناك مكان قار مخصوص بالمقدمة تلزمه ولا تغادره (تتغير حسب الزمن والطبيعات) (...).
3- اللحظة: تابع ج. جنيت لحظات كتابة المقدمة فوجدها غير قابلة للعد والحصر، واعتبر أن أهمها وأبرزها يتحدد في ثلاث أسس:
- اللحظة الأولى: تمتد من لحظة انتهاء الكاتب من كتابة نصه إلى طبعه، وتنطبق أساسا على الطبعة الأولى الأصلية.
- اللحظة الثانية: تهم الطبعة الثانية للكتاب (...).
- اللحظة الثالثة: تخص "المقدمة المتأخرة" (...).
4- المرسل: من الصعب تحديد المرسل في المقدمة، لأن أنواع المقدمين تختلف وتتعدد حسب طبعات النص الواحد...
5- المستقبل: من السهل جدا تحديد مستقبل المقدمة مقارنة بمرسلها، لأنه يكون عادة – وبالضرورة – هو قارئ النص (...)[43]
يتضح مما سبق أن الوعي بأهمية العتبات قد ازداد في السنوات الأخيرة، لدورها في إضفاء جمالية على النص، وتقريب القارئ أكثر فأكثر من فحوى النص. 

2- مراحل إنتاج النص:

النص: "وحدة لغوية دلالية تنتج عن مجموعة من الجمل تترابط فيما بينما من خلال وسائل الخطاب، النحوية والدلالية والمنطقية وطبقا لهاليداي ورقية حسن (1976) فالنصية تتكون من علاقات بنيوية وغير بنيوية تشكل النص"[44].
يتضح من خلال النص أن النص كوحدة لغوية دلالية "تحكمه مجموعة من الوسائل الداخلية، والخارجية تتمثل الأولى في البناء التركيبي والدلالي والمنطقي للنص. وتتمثل الثانية في العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية... التي لها علاقة بإنتاج النص. هذا الإنتاج الذي يمر بعدة مراحل أهمها:
1- مرحلة التخطيط والقصد: أي متابعة هدف ما من النص كنشر المعرفة أو الاتصال الاجتماعي...
2- مرحلة اختيار شكل النص: فاختيار الشكل هو عامل أساسي في تحديد مصير الهدف.
3- مرحلة التصوير: هذه المرحلة قد تتدخل مع سابقها في تحديد الأفكار المرتبطة بالهدف والتي من شأنها أن تقنع الآخرين.
4- مرحلة التطوير: في هذه المرحلة يحضر السبك، والسبك (الربط اللفظي) مظهر من مظاهر عملية إنتاج النص الكبرى التي تشتمل على عناصر أخرى سياقية.
وقد أكد دي بوجراند أن السبك يتعلق بالكلمات الفعلية التي نسمعها أو نراها[45].
5- مرحلة استقبال النص: هذه المرحلة تتم بشكل معاكس. "أي البدء بآخر مرحلة – التعبير – وصولا للمرحلة الأولى. والمخاطب عندما يتلقى نصا ما يستدعي له بنيتين: (داخلية) تعتمد على الوسائل اللغوية التي تربط أواصر مقطع ما بغيره، (وخارجية)، تكمن في مراعاة المقام المحيط بالنص، ومن ثم فلا فصل بينهما عند المتلقي"[46].

الخطاب
إن ما يعانيه الباحث اليوم من صعوبات في تحديد مفهوم قار للخطاب، ناتج عن تعدد الدراسات المهتمة بهذا الخطاب، وإن كانت معظم هذه الدراسات قد تأثرت بعلم عام هو اللسانيات.
ومع ذلك يمكن القول إن الخطاب نتاج لغوي تحكمه مجموعة من القوانين الداخلية والخارجية، بموجبها تتحقق وظيفة هذا الخطاب التواصلية.
والخطاب قد يكون مفردة، أو مركبا اسميا، أو جملة، أو نصا، أو مجموعة من النصوص المترابطة فيما بينها.
ولهذا السبب يمكن أن نقف عند مجموعة من الخطابات:
1- خطاب مقدماتي: وهو الذي يستعمله المخاطب في أول كلامه سواء كان هذا الكلام منطوقا أو مكتوبا، ومن ذلك مجموع العتبات وهي: (اسم المؤلف/العنوان/ الأيقونة/ المقتبسة/ المقدمة...).
والغاية من هذا الخطاب هي تمهيد المتلقي لما سيقبل على سماعه أو قراءته.
2- خطاب سياسي: وهو الخطاب المرتبط بالدولة وشؤونها، وذلك قصد استتباب الأمن في البلاد، وأحيانا تحريض المخاطبين للإشراك في بناء الدولة. وهو الحال الذي نجده في الخطب الملكية. و هذا النوع من الخطاب ليس بحديث.
3- خطاب ديني: هذا الخطاب غالبا ما يكون أعم، يشمل أمور الدين والدنيا، وإن كان هدفه الأولى ديني، ومن ذلك خطب الجمعة.
4- خطاب شعري: هو ذلك الخطاب الثاوي خلف شعر شاعر، هذا  الخطاب ينفرد بخصيصة أساسية هي خرقه للواقع. وهي الفكرة التي دارت حولها قضية الصدق والكذب من قبل.
5- خطاب أدبي: يشمل الشعر والنثر معا، وقد أفاض فيه توفيق الزيدي، حيث يقول: "إن الخطاب الأدبي ينبني على اللغة فهو لا يعدو أن يكون سلسلة من الكلمات التي تنتظم داخل الجمل. أي أن القصة (أو القصيدة) ليست إلا جملة طويلة مركبة، والذي يميزها عن الكلام العادي هو كيفية تنظيم وحداتها      اللغوية، وهو أمر موكول إلى علم التركيب الذي يختلف كليا عن "النحو" بالمفهوم العربي الكلاسيكي إذ هو لا يعتني إلا بالوظيفة الإعرابية للمفردات أو الجمل، ولا يهتم بالدور التركيبي الذي يلعبه مكانه في سلسلة الكلام ومدى تأثيره   في تحديد الدلالة. فعلم التركيب يهتم بدراسة الدوال في نطاق المحور السياقي الواردة فيه، دراسة تعتمد إبراز الخصائص اللغوية لتلك الدوال (...)، بل إن علم التركيب يستند إلى نظام الدوال في نطاق ما تدل عليه، ودراسة الخطاب من  وجهة تركيبه تفضي حتما إلى اكتناه دلالته، لأن التركيب متى افتقد الدلالة افتقد قيمته، وهو ما تغافل عنه النقد اللغوي الكلاسيكي إذ إن همه منصب على اللغة لغاية اللغة، وقد يعود ذلك إلى بعض الرواسب هي التي جردت الخطاب من بعده  الفني ومزقت وحدته اللغوية الفنية. ولعل أهم أثر للسانيات في النقد العربي الحديث هو تأكيدها عل تلك الوحدة..."[47].
هذه الخطابات وغيرها، وإن كانت هي نفس الخطابات القديمة، إلا أن الدراسة تختلف. ويمكن أن نقتصر على خطاب واحد لإبراز ذلك ويكون هذا الخطاب هو الخطاب الشعري.

تحليل الخطاب الشعري:
تحليل الخطاب الشعري، أفرد له، ذ.محمد مفتاح، كتابا خاصا. يمكن أن نقف عند جوانب منه لإبراز نظرة المحدثين لهذا الخطاب.
يرى الدكتور محمد مفتاح "أن أية مدرسة لم تتوقف إلى حدود الآن في صياغة نظرية شاملة، وإنما كل ما نجده هو بعض المبادئ الجزئية والنسبية التي إذا أضاءت جوانب بقيت أخرى مظلمة"[48]... ولهذا يجب الأخذ بنظرة كل مدرسة لتشكيل صورة شاملة حول الخطاب الشعري، وهو ما دفع محمد مفتاح إلى تصنيف النظريات اللسانية إلى مجموعة كبرى هي:
                         I.    التيار التداولي ويتفرع إلى شعبتين:
1- نظرية الذاتية اللغوية:
وأهم روادها الفيلسوف "موريس"، ومجال  اهتمامها الظواهر اللغوية بما فيه (المعنيات، ألفاظ القيمة...)[49].
  2- نظرية الأفعال الكلامية:
مؤسسوها فلاسفة (أوكسفورد) وهدفها القضاء على الوضعية المنطقية "التي كانت لا تقبل من التعابير إلا الأخبار القابلة للتمحيص والتجريب، وأبرز ممثليها "أوستين"، و"سورل" و"كرايس"[50].
II- التيار السميوطيقي (السيميائي):
أهم مثل هذا التيار "كريماص" ومدرسته، وقد استقى نظريته من معارف أنتروبولوجية، ولسانيات بنيوية وتوليدية، ومنطقية، ويمكن القول إنها أشمل نظرية لتحليل الخطاب الإنساني، ويمكن تحديد خصوصيات هذا التيار في النقاط التالية:
* قراءة النص الشعري من وجهي التعبير والمضمون.
* تعدد القراءات للنص الواحد بناء على تطبيق مفهوم التشاكل.
* النص الشعري منغلق على نفسه، له عالمه وحياته الخاصان به، فلا يحيل على الواقع إلا ليخرقه.
* جدلية النص والقراءة"[51].

III- التيار الشعري:
أبرز رواد هذا التيار "ياكبسون"، وقد كان إسهامه حاسما في تأسيس النظرية الشعرية الحديثة، "وأهم مظهر لهذه النزعة يتجلى في المقابلة المتناقضة: الشعر/ النثر (...)، على أن "ياكبسون" هو باحث ذو خبرة واطلاع واسع لم يبق تلك الثنائية المتناقضة، وحدها، وإنما جعل إلى جانبها ثنائية متضادة مما يجعل هامشا للتقاطع والتمازج..."[52]. وهو ما استثمرته بعض الدراسات اللاحقة معتبرة أن ليس هناك جنس أدبي يخلو من شائبة.
أما "جان كوهن" فقد انطلق من مسلمة تقول: "إن الشعر يقوم على  المجاز  وبخاصة الاستعارة. ومن ثمة فإنه يقوم على خرق العادة اللغوية..."[53]. في حين أن "مولينو" و"تامين" قد تصدا لدك من يدعي أن التحليل اللساني هو الحل لكل مغاليق الخطاب الشعري. ذلك أن اللسانيون عجزوا عن إعطائنا قوانين    للسيطرة على اللغة اليومية ما بالك بالخطاب الشعري ؟![54].
يتبين مما سبق أن هناك تيارات لسانية متعددة، كل منها مشروط بتجربة ثقافية وتاريخية وحضارية " فسورل وكريماص" اتفقا على أن الأدب – ومنه الشعر ليس له قوانين خاصة، وقد ابعد "سورل" الأدب عن مجال اهتمامه وجعل  كريماص الكشف عن الأدبية آخر، المطاف واتفق مولينو وتامين ورفاتير على  أن اللسانيات عاجزة عن تحديد قوانين عامة وشاملة لدراسة الخطاب الشعري[55].

خلاصات:
بعد هذا الجرد يمكننا أن نخرج بمجموعة من الخلاصات، أهمها:
- صعوبة حصر النص بمفهوم محدد.
- المشترك بين كل النصوص هي اللغة، إذ يستحيل الحديث عن أي نص في غياب اللغة.
- الخطاب هو الآخر يصعب حصره بتعريف قار، لأن الحدود بينه وبين النص متقاربة جدا، حتى أنهما يصيرا مترادفين أحيانا، ومع ذلك لا بأس إن قلنا  إن الخطاب إنتاج لغوي يربط بنية النص الداخلية بظروفه المقامية "بمعنى واسع".
- النص في التراث البلاغي الإسلامي نادرا ما يخلو من البسملة، والحمدلة والتصلية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تدبج النصوص بعناصر أخرى كالتشهد والدعاء... ويعقبها فصل الخطاب " أما بعد".
أما الاستهلالات فتتنوع وتختلف بحسب مضامين الكتب.
- اسم المؤلف/ والعنوان/ والمقدمة "الخطاب الواصف" من أهم مميزات النص، التي لا يمكن الاستغناء عنها. وقد اهتم بما القدماء والمحدثون أيما اهتمام.
- اهتمام البلاغة القديمة بالخطاب كان لغويا بالأساس، وذلك لأن أغلب مؤرخي علوم البلاغة يقفون عند كون البلاغة نتجت مع "إعجاز القرآن".
- المحدثين تناولوا النص من زوايا مختلفة، وذلك راجع لاختلاف  توجهاتهم ومشاربهم، فهناك (اللسانيات بأنواعها/والأسلوبيات/والوظيفيات/ والسيميائيات...).
- الاهتمام بالأيقونة "لوحة الغلاف" لم يظهر إلا مع البلاغة الحديثة.
- اهتمام المحدثين بأنواع الخطاب فاق اهتمام القدماء بكثير، إذ أن كل خطاب أفردت له دراسات متعددة.
- مما سبق يتضح أن الفرق بين البلاغتين القديمة والحديثة فرق ذو طبيعة منهجية وصورية.

 بيبليوغرافيا المصادر والمراجع والمعاجم :
1- أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث: توفيق الزيدي، الدار العربية للكتاب، سنة 1984.
2- الأسلوبية والأسلوب: عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، ط 2، سنة 1982.
3- تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص): محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط 1، سنة  1985.
4- جواهر الأدب في آدابيات وإنشاء لغة العرب: السيد أحمد الهاشمي، مؤسسة المعارف، ج 2.
5- الشعر والشعراء: ابن قتيبة، دار إحياء العلوم، بيروت، ط 6، سنة  1997.
6- عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر: يوسف الإدريسي، منشورات مقاربات، ط 1، سنة 2008.
7- في بلاغة الخطاب الإقناعي: محمد العمري، سلسلة الدراسات النقدية  (5)، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط  1، سنة 1406-1986.
8- ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة: الطاهر أحمد الزاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، م 4، ط 3.
9- قضايا تحليل الخطاب، المبادئ والآليات: ذ. عبد العزيز بوضاض.
10- لسان العرب المحيط: ابن منظور، معجم لغوي علمي، قدم له العلامة الشيخ عبد الله العلايلي، إعداد وتصنيف يوسف خياط ، نديم مرعثلي، دار لسان العرب، بيروت، لبنان، م 3.
11- نظرية علم النص، رؤية منهجية في بناء النص النثري: د. حسام أحمد فرج، مكتبة الآداب، ط 2، سنة 1430-2009.
12- النقد الأدبي عند العرب حتى نهاية القرن الثالث الهجري: محمد طاهر درويش، دار المعارف، مصر، ب. ط، سنة 1979.
13- نقد الشعر عند العرب في الطور الشفوي: عبد العزيز جسوس، المطبعة والوراقة الوطنية، الدوديات، مراكش، ط 2، سنة 2008.


[1] - ترتيب القاموس على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة: الطاهر أحمد الزاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، م 4، ط 3، حرف النون، مادة (نَصَّا)، ص: 381-382.
لسان العرب المحيط: ابن منظور، معجم لغوي علمي ، قدم له العلامة الشيخ عبد الله العلايلي، إعداد وتصنيف يوسف خياط، نديم مرعثلي، دار لسان العرب، بيروت، لبنان، م 3، حرف النون. 
[2] - لسان العرب المحيط: ابن منظور، معجم لغوي علمي، قدم له الشيخ عبد الله العلايلي، إعداد وتصنيف يوسف خياط، نديم مرعثلي، دار لسان العرب، بيروت، لبنان، م 1، الخاء، ص: 855-856.
[3] - ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة: الطاهر أحمد الزاوي دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 3، م 2، حرف الخاء، ص:  75-76.
[4] - قضايا تحليل الخطاب: المبادئ والآليات، ذ. عبد العزيز بوضاض، ص:  1-2.
[5] - قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، بنية الخطاب: من الجملة إلى النص، أحمد المتوكل، دار الأمان، الرباط 2001، ص: 16.
[6] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر: يوسف الإدريسي، منشورات مقاربات، ط 1، سنة 2008، ص: 23.
[7] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص: 15.
[8] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص: 26-27.
[9] - نقد الشعر عند العرب في الطور الشفوي: عبد العزيز جسوس، المطبعة والوراقة الوطنية الدوديات مراكش، ط 2، سنة 2008، ص: 165-166-167.
[10] - الشعر والشعراء: ابن قتيبة، دار إحياء العلوم، بيروت، ط 6، سنة 1997، ص: 23.
[11] - النقد الأدبي عند العرب حتى نهاية القرن الثالث الهجري: محمد طاهر درويش، دار المعارف، مصر، ب.ط، سنة 1979، ص: 176.
[12] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص: 32.
[13] - نفسه، ص: 35.
[14] - في بلاغة الخطاب الإقناعي: محمد العمري، سلسلة الدراسات النقدية (5)، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط 1، سنة 1406-1986، ص: 36.
[15] - جمهرة خطاب العرب، 1/187، نقلا عن محمد العمري في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص: 37.
[16] - في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص: 38.
[17] - في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص: 39.
[18] - جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب : السيد أحمد الهاشمي، مؤسسة المعارف، ج 2، ص: 121.
[19] - في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص:  42-43.
[20] - في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص: 43. نقلا من سرح العيون 184.
[21] - نفسه، ص: 44.
[22] - في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص: 47.
[23] - نفسه، ص: 48-49.
[24] - في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص: 51-52.
[25] - نفسه، ص: 52 نقلا من الجمهرة 2، 289-290.
[26] - نفسه.
[27] - في بلاغة الخطاب الإقناعي، ص: 70. نقلا من البرهان لابن وهب، ص: 117-119.
[28] - أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث: توفيق الزيدي، ص: 139.
[29] - "... الأسلوب (...) هو النسيج النصي الذي يبوأ الخطاب منزلته الأدبية. فتكون الأسلوبية عمليا "علما يعنى بدراسة الخصائص اللغوية التي تنتقل بالكلام من مجرد وسيلة إبلاغ عادي إلى أداء تأثير فني"، عبد السلام المسدي، المقاييس الأسلوبية في النقد الأدبي من خلال البيان والتبيين، ص: 92.
[30] - الأسلوبية والأسلوب: عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، ط 2، سنة 1982، ص: 90-91.
[31] - نفسه، ص: 41.
[32] - نفسه، ص: 182.
[33] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص: 43-44.
[34] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص: 46.
[35] - نفسه، ص: 46.
[36] - نفسه، ص: 48.
[37] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص: 51.
[38] - نفسه، ص: 51.
[39] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص 56. نقلا من: G. Genette: seuits, op.cit, p: 135.
[40] - عتبات النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي المعاصر، ص: 55.
[41]- نفسه، ص: 56.
[42]- نفسه، ص: 56.
[43] - عتبات  النص، بحث في التراث العربي والخطاب النقدي  المعاصر، ص57-58-59.
[44] - نظرية علم النص، رؤية منهجية في بناء النص النثري: د. حسام أحمد فرج، مكتبة الآداب، ط 2، سنة 1430هـ/2009م، ص: 78.
[45]- نظرية علم النص، رؤية منهجية في بناء النص النثري، ص: 78.
[46] - نفسه، ص: 79.
[47] - أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث: توفيق الزيدي، ص: 73-74.
[48] - تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص): محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط.1، سنة 1985، ص: 7.
[49] - تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، ص: 8.
[50] - نفسه، ص: 8.
[51] - نفسه، ص: 12.
[52]- تحليل الخطاب الشعري، ص: 12-13.
[53] - نفسه، ص: 13.
[54] - نفسه، ص: 13.
[55]-  نفسه، ص: 14.