الجمعة، 8 يوليو 2011

محظوظة

محظوظة

              في زمن غابر في القدم، وفي غابة مليئة بالوحوش، أشجارها تمتد إلى السماء، وأزهارها تغطي سطح البسيطة، وفي كوخ صغير قرب نهر عظيم، كانت تعيش الجدة محظوظة، عجوز بلغت من السن عتيا، فلم تعد تبرح مكانها إلا بمشقة المشقة، امارة الكبر بادية عليها؛ وجهها تملئه تجاعيد كعروق النخيل، ورأسها مشتعل بالشيب، وفاهها كجحر ضب خرب.
          هي دائما محظوظة، طيلة هذه السنوات التي عاشتها في الغابة كانت محبوبة عند الطير والشجر والحيوان، حتى مالك الغابة يزورها صباح مساء يطمئن على حالها، ويتلق منها الحكم والمواعظ.



          منذ ولادتها لم تكن ترغب في أن تعيش في عالم الإنسان، هذا العالم المليء بالظلم والعدوان. كل شيء في هذا الكون يفهم ،سوى الإنسان، هذا الكائن الغريب؛ غريب في تفكيره، وفي تصرفاته، وحتى في خلقته.
           رضيت بالغابة فرضيت بها وآنستها وأوتها، وهي الآن في السن المائة.
لم تقدم للغابة شيئا، والغابة تجود عليها بعطاياها وخيراتها. أيفعل هذا الإنسان؟!  لقد كانت محقة في اختيارها.
 لكن كيف جاءت إلى الغابة؟ وهي ابنت الأربع.
           في ليلة شديدة السواد، فلا القمر ولا النجوم. أغار نهر عظيم، في حجم الجبال، على قرية صغيرة، لم يصب ولو لبنة. لم يرد كل شيء، ولكنه أخذ كل شيء، أخذ محظوظة وهي أثمن ما تملكه القرية. لم يكن يرضى أن تعيش محظوظة في القرية ولا في عالم الإنسان الغريب، يريد أن تكون واحدة منه، ومن الطبيعة.
            حملها وأخذ يرسم الطريق نحو الغابة، ويجب ما خلفه. فلم يلج النهار الليل حتى استقر الوضع، ومحيت آثار النهر.


فأخذت الأسرة وأهل القرية يبحثون عن الطفلة القمر. فلم يدروا أالسماء أقلعتها، أو الأرض أبلعتها !!
          وفي يوم من الأيام، ومع قرب وفات الجدة، اهتزت الأرض وربت، وأخذ الخوف يستشري قلوب ساكني الغابة، فبدأ الكل يتساءل عن السبب؟؟؟ إذ لم يكونوا يعهدوا مثل هذا الحادث من قبل.
أتدرون ما السبب؟ إنه موت الجدة المسكينة.
          اشتد غضب الغابة من هذا الحادث، وتفاقم حزن الطير، والشجر، والحيوان. فلم يمر يوم على موت الجدة، حتى تلاها ثلث ساكني الغابة، وأصاب الباقي مرض شديد كاد أن يؤذي بحياة الجميع.


              عندما يرخي الليل بحباله على الغابة، وعندما يحتشم القمر، وتغمض الشمس عينيها، وتسافر النجوم. تظهر كائنات غريبة، تشتهي أكل الضعفاء، ومار السبيل. أليس لهذه الكائنات الضعيفة الحق في أن تحيى حياتها؟ إلى متى سيظل ملك الغابة في سباته؟ أهو الآخر خائف من الليل؟ خائف لأنه لم يتعود أن يبرح مكانه. ولا يريد للضعفاء أن يحيوا.
              وقع هذا كله قبل أن تحل الجدة طفلة على الغابة، وبعد أن ماتت.
 توقع ماذا سيحدث لو أن فردا آخر حل بالغابة في هذه الأحايين؟!







                  

هناك 4 تعليقات:

عبد الله علمي يقول...

ما أسعد هذه العجوز فعلا محضوضة كانت تتمتع في شساعة الغابة أما في حينناهذا فالناس يعانون من أزمة الإسكان ... لماذا لا يأتوا للغابة ويختبروا رد فعلها وقد سلبت القرار برسم تملكها به صاحب ثروة أو تحت مسمى أملاك الدولة...؟؟؟؟؟؟؟

غير معرف يقول...

جمييييييييييل...
إنّ هذا النّص مجموعة من النّصوص الخفية..وأعتقد أنّ الرّمز فيها لعب دوره على أتمّ وجه..فهل سيفهم ملك الغابة ما تقصده؟ ومتى سيغادر عرينه ليرى ما تفعله الضباع خلف ظهره؟

Unknown يقول...

دمت قاصا و روائيا يا حميد

Unknown يقول...

جميل اسلوب السرد عندك بالتوفيق يا اخي