الأربعاء، 19 نوفمبر 2014


وجع الزمان 

حسناء الجراتلي

    من قال إن الدنيا ستغير مجرى حياة هذا الشخص منذ حضوره إلى الدنيا وهو يعيش حالة من الهم والغم. تزوجت والدته من رجل غريب عن قبيلتها وأصلها وأنجبت منه هذا الشخص فوقع ما وقع، طلقت أمه وتركته لأمها وتزوجت مرة أخرى لتنسى كلام قبيلتها عليها والعيب الذي ستتحمله عاتلتها بسببها رغم أن زواجها من هذا الشخص حلال، تزوجت وتركت هذا المسكين لأبويها ليعيش معهم في الفقر.

   كبر المسكين، درس قليلا وعانى كثيرا لم يكن يظن أن الحياة بهذه القساوة. مرت بضعة سنين وتوفي الأب الجد. مرت بضع سنين عم القهر والحزن بيتهم، مرت سنين درس هذا المسكين حتى الصف الخامس وعندها سيتلقى الإهانة أمام زملائه أن ليس له الحق في إتمام الدراسة لغياب حالته المدنية. آنذاك قرر مغادرة المدرسة ليتحمل فيما بعد مسؤولية أكبر منه بكثير، فقد صار هو ذاته رب الأسرة. فقد تعذب كثيرا ليفوز ببعض الريالات التي هي مصدر شقائه وتعبه. فقد كان اليوم يمر عليه كالسنين من شدة المعاناة والفقر، لكن كان الصبر دائما هو مبدأه الأول والأساس في الحياة، وصلاته التي لايفارقها وذكر الله تعالى.

   أخذت منه طفولته، ولكن الله كان معه دائما أينما كان، فلم يحس يوما بالبؤس تجاه الحياة، والسنين تمر، فجاء اليوم الذي سيصبح فيه للمسكين إعتراف، والذي سيصير فيه مغربيا. ولكن لم يكن في حقه أن يعيش بين أحضان أبويه ويحس بالحنان كما كان يتمنى. السنين تمر وهذا الشخص يكبر ويكتب عليه القدر أن يعاني في هذه الحياة، والعذاب بدأ يزول، ليقبل المسكين على حياة جديدة بدأت بحصوله على رخصة سياقة واشتغاله في عمل سياحي، كان هو السبب في نسيانه بعض الهموم، بفضل معرفته للأشخاص، والسفر بعيدا، والتجول في بلاد المغرب، وتعلمه بعض اللغات التي لم يكن على علم بها قبل هذا الوقت. ولكن التعب لازال يلاحقه، وربه دائما معه.

   وصل العشرين من عمره وتزوج ابنت خالته التي عاشت هي الأخرى سنين من القهر والمعاناة، بدأت بمنعها من التدريس، بكت وصدمت، لكن تقبلت هذا القرار، عاشت المرارة والقهر والصبر دائما معهما، بعد مرور بضع سنين من زواجهما أنجبا فتاة غاية في الجمال كانت أول فرحتهما، اسمها مريم. سافر الأب من أجل توفير لقمة العيش لهما وتحقيق سعادتهما. ومع مرور ثلاث سنوات أنجبا طفلا غاية في الجمال، اسمه أحمد، عاش أربعة أشهر فأخذه الله قبل أن يراه الأب المسكين، ويعود الحزن من جديد ولكن الصبر هو سلاحهما دائما. بعد سنتين من الحزن رزقا فتاة اسمها حسناء فرحا بها كثيرا، فيعاني الأب  من جديد بحثا عن سعادة أبنائه.

   تعبت الزوجة من مشاكل الجدة، رحلوا من مدينة إلى أخرى بحثا عن الراحة، وفي مدينة العرائش سيرزقا بفتاة هي الفرحة الثالثة في حياتهما أسموها ليلى، عاشوا بهناء في هذه المدينة، وبعدها سيعودوا إلى موظنهم بحياة جديدة، الأب يبحث عن سعادة أبنائه، والأم تربي أحسن التربية... مرة أخرى سيسافر الأب إلى مدينة مراكش الحمراء، أجمل مدن المغرب لما فيها من مآثر ومناظر تخلب اللب، فكانت هي موطنهم الجديد ومكان استقرارهم، وعما قريب سيتعرف أفراد الأسرة على جدهم وأعمامهم، ولكن دون جدوة. ومع مرور أربع سنوات ستولد فرحة رابعة اسمها سومية طفلة جميلة.

   علم الكبار واهتم بالصغار، وبعد ست سنوات سيرزق بمثيل القمر اسمها آية، البراءة تعم وجهها... وبعد أن تحققت بعض أحلامه حمد الله  وشكره على الدرية الصالحة التي رزقه، وترحم على ما أخذ منه.

 

ليست هناك تعليقات: